للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا جاز التقليد فيها، بل وجب على العامّي ذلك.

وذهب بعض القدرية إلى أن العامّة يلزمهم النظر في الدليل في الفروع أيضًا.

وهو باطل بإجماع الصحابة؛ فإنهم كانوا يفتون العامّة، ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامّهم.

ولأن الإجماع منعقد على تكليف العامّي الأحكام، وتكليفه رتبة الاجتهاد يؤدي إلى انقطاع الحرث والنسل، وتعطيل الحرف والصنائع، فيؤدي إلى خراب الدنيا.

ثم ماذا يصنع العامّي إذا نزلت به حادثة إن لم يثبت لها حكم إلى أن يبلغ رتبة الاجتهاد، فإلى متى يصير مجتهدًا؟

ولعله لا يبلغ ذلك أبدًا، فتضيع الأحكام.

فلم يبقَ إلا سؤال العلماء، وقد أمر الله – تعالى – بسؤال العلماء في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ١.


١ سورة النحل، من الآية: "٤٣" والأنبياء، من الآية: "٧" قال الشوكاني- ردًّا على الاستدلال بهذه الآية: ".... وليس بالمراد بما احتج به الموجبون للتقليد، والمجوزون له من قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} إلا السؤال عن حكم الله في المسألة، لا عن آراء الرجال، هذا على تسليم أنها واردة في عموم السؤال-كما زعموا- وليس الأمر كذلك، بل هي واردة في أمر خاصٍّ، وهو السؤال عن كون أنبياء الله رجالًا، كما يفيده أول الآية وآخرها، حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ... } .
راجع: إرشاد الفحول جـ٢ ص٣٥٣ ومناقشتنا لما قاله الشوكاني في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>