واستدل القائلون بذلك بأدلة ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها. منها: ما روي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قال: "الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله" "رواه الترمذي والدراقطني: الترغيب والترهيب جـ١ ص٢٥٦". وقالوا في وجه الدلالة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا بأن الصلاة في أول الوقت سبب رحمة الله ورضائه عن فاعلها، وأن فعلها في آخر الوقت يعد معصية، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عفو الله" لأن العفو إنما يكون عن شيء فيه مخالفة. وأجيب عن هذا الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف جدًّا. قال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث كذبه أحمد بن حنبل، وقد روي بأسانيد كلها ضعيفة. "تحفة الأحوذي ١/ ٥١٧، سبل السلام ١/ ١٧". الوجه الثاني: أنه مع فرض التسليم بصحته فإنه لا يثبت المدّعي، لأن العفو الوارد في الحديث لا يدل على أن الصلاة في آخر الوقت معصية، لكنه يلج على أن المكلف قد تباطأ في أداء العبادة في أول وقتها، ولا شك أن الوقت الأول وقت فضيلة بلا خلاف، فإهمال لوقت الفضيلة يستحق العفو من الله تعالى. فغاية ما يدل عليه الحديث: هو حث المكلف على المبادرة بأداء العبادة في أول وقتها حتى يستحق رضا الله تعالى ومغفرته. بالإضافة إلى أن أن هذا الحديث مخالف لحديث جبريل المتقدم وهو حديث صحيح. المذهب الثاني: أن الوجوب يختص بآخر الوقت، فإن فعل أوله كان من قبيل التعجيل، وهو مروي عن بعض الحنفية. واستدلوا على ذلك: بأنه لو وجب الفعل فيما قبل الوقت الأخير لما جاز تركه لكن التالي باطل، وهو أنه لا يجوز ترك الواجب، فبطل المقدم، وثبت نقيضه، =