والقبح: ما يستحق فاعله الذم من الله تعالى، والعقاب في الآخرة، كالكذب والتكبر، والبخل. وهذا النوع هو الذي جرى فيه الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة. فالمعتزلة يرون أنهما عقليان، أي أن العقل يستطيع أن يدرك ما فيهما من حسن أو قبح، وأن الوقوف على حكم الله تعالى لا يفتقر إلى ورود الشرع، لاعتقادهم وجوب مراعاة المصالح والمفاسد، وهذا أمر يدركه العقل، والشرائع تأتي مؤكدة لذلك، وأن الله تعالى عليه أن يأمر وينهى على وفق ما في الأفعال من حسن أو قبح. أما أهل السنة: فإنهم يقولون: لا يعلم ذلك إلا من جهة الشرع، إذ لا حاكم إلا الله تعالى، فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح، ما قبحه الشرع، وأما العقل فلا يحسّن، ولا يقبّح، ولا يوجب ولا يحرّم. سبب الخلاف: وسبب الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة: أن المعتزلة يرون أن حسن الأشياء أو قبحها ذاتي، وأهل السنة يرون أنهما تابعان لصفات قائمة بهما. ومن المؤكد أن رأي أهل السنة: هو الأرجح، وإلا لو كان حسن الأشياء أو قبحها ذاتيًّا، لكان الصدق حسنًا في كل الأحوال، ولكان الكذب قبيحًا في كل صوره، مع أن هذا مخالف للواقع. وقد أطال العلماء في الرد على مسلك المعتزلة ومن معهم، ومن أقوى الأدلة الدالة على بطلان مذهبهم: قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] فإن هذا النص الكريم يقتضي نفي التعذيب بمباشرة بعض الأفعال وترك بعضها قبل بعثة الرسل، ومذهب المعتزلة يستلزم تعذيب تارك الأفعال ومباشرة بعضها قبل بعثة الرسل، لأن الحسن والقبح -على مذهبهم- يتحقق قبل البعثة، والحسن في بعض الأفعال مستلزم لكونه واجبًا، والقبح في بعضها مستلزم لكونه حرامًا، فيكون بعض الأفعال قبل البعثة واجبًا، =