للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فتّش عن اختلافهم في الفرائض وغيرها؛ عرف ضرورة سلوكهم التشبيه والمقايسة، وأنهم لم يقتصروا على تحقيق المناط في إثبات الأحكام، بل استعملوا ذلك في بقية طرق الاجتهاد.

[الأدلة النقلية على حجية القياس]

وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} ١.

وحقيقة الاعتبار: مقايسة الشيء بغيره كما يقال: "اعتبر الدينار بالصَّنْجة"٢. وهذا هو القياس.

فإن قيل: المراد به الاعتبار بحال من عصى أمر الله، وخالف رسله، لينزجر، ولذلك لا يحسن أن يصرح بالقياس ههنا فيقول:


١ سورة الحشر من الآية "٢".
قال الطوفي في شرحه "٣/ ٢٥٩-٢٦٠"- مبينًا وجه الدلالة من هذه الآية: "القياس اعتبار، والاعتبار مأمور به، فالقياس مأمور به.
أما المقدمة الأولى، وهي: أن القياس اعتبار، فهي لغوية، أي: طريق معرفتها اللغة، وأنه التقدير والاعتبار، وأيضًا: فإن الاعتبار مشتق من العبور، وهو المجاوزة، ومنه المِعْبَر؛ لأنه يجاوز بالناس من أحد جانبي البحر إلى الآخر، وعابر المنام؛ لأنه يعبر حال المنام إلى ما يشبهه في اليقظة، وكذلك القياس يجاوز بحكم المنصوص إلى غيره، ويعبر منه إليه، فكان القياس اعتبارًا بحكم الاشتقاق.
وأما المقدمة الثانية، وهي: أن الاعتبار مأمور به، فلقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أمر بالاعتبار، والأمر للوجوب، فيكون الاعتبار الذي منه القياس واجبًا.
٢ هي الميزان. معرّبة. القاموس المحيط فصل الصاد باب الجيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>