للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} فألحقوا الفروع بالأصول، لتعرف الأحكام.

قلنا: اللفظ عام، وإنما لم يحسن التصريح بالقياس ههنا، لأنه يخرج عن عمومه المذكور في الآية، إذ ليس حالنا فرعًا لحالهم١.

دليل آخر:

قول النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- لمعاذ: "بِمَ تَقْضِي؟ " قال: بكتاب الله. قال: "فإن لمْ تَجدْ؟ " قال: بسنة رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- قال: "فَإن لمْ تَجدْ؟ " قال أجتهد رأيي، قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- لما يرضي رسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ٢".

قالوا: هذا الحديث يرويه الحارث بن عمرو١ عن رجال من أهل


١ خلاصة ذلك: أن المنكرين لحجية القياس اعترضوا على الاستدلال بهذه الآية فقالوا: إن الاعتبار هنا معناه الاتعاظ، لأن قوله تعالى: {فاعتبروا} وارد في سياق قوله تعالى، في حق بني قريظة والنضير: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} فلا يحسن أن يقول هنا: فقيسوا الذرة على البر؛ لأنه يكون ركيكًا لا يليق بالشارع.
فأجاب المصنف على ذلك: بأن المراد بالاعتبار هنا: القدر المشترك بين القياس والاتعاظ، وهو المجاوزة، فإن القياس مجاوزة عن الأصل إلى الفرع، والاتعاظ مجاوزة من حال الغير إلى حال نفسه، وكون صدر الآية غير مناسب للقياس لا يستلزم عدم مناسبته للقدر المشترك بين القياس والاتعاظ.
٢ تقدم تخريجه. ومحل الشاهد: أن الرسول الله -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- أقر معاذًا على الاجتهاد، ومن الأمور التي يعتمد عليها في الاجتهاد: القياس.
٣ هو: الحارث بن عمرو الثقفي، ابن أخي المغيرة بن شعبة، روى عن أناس من =

<<  <  ج: ص:  >  >>