للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كوجود التحريم بوجود الشدة في الخمر، وعدمه لعدمها، فإنه دليل على صحة العلة العقلية، وهي موجبة، فأولى أن يكون دليلًا على الشرعية وهي أمارة١.

ولأنه يغلب على الظن ثبوت الحكم مستندًا إلى ذلك الوصف، فإننا لو رأينا رجلًا جالسًا، فدخل رجل فقام عند دخوله، ثم جلس عند خروجه، وتكرر منه، غلب على ظننا: أن العلة في قيامه: دخوله٢.

فإن قيل: الوجود عند الوجود طرد محض، وزيادة العكس لا تؤثر، إذ ليس بشرط في العلل الشرعية.

ولأن الوصف يحتمل أن يكون ملازمًا لعلة أو جزءًا من أجزائها،


١ هذا هو الدليل الأول على حجية الدوران.
٢ وهذا هو الدليل الثاني، كما أوردهما المصنف. وقد أضاف إليهما الطوفي دليلين آخرين فقال: "وبمثل ذلك عَلِمَ الأطباءُ ما علموه من قوى الأدوية وأفعالها، كالأدوية المسهلة والقابضة وغيرها، حيث دارت آثارها معها وجودًا وعدمًا ... ثم قال: وأما دليل الشرع فلأن النبي -عليه السلام- بعث ابن اللتبية عاملًا، فلما عاد من عمله جاء بمال، فجعل يقول: هذا لكم، وهذا لي أُهدى إلي، فخطب النبي -صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- فقال: "ما بال الرجل نبعثه في عمل المسلمين فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا لي، ألا جلس في بيت أمه، فينظر هل يهدى له؟! " [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود] .
وهذا عين الاستدلال بالدوران. أي: إنا إذا استعملناك أُهدي إليك، وإذا لم نستعملك لم يُهدَ لك، فعلة الهدية لك: استعمالنا إياك. فثبت بهذا أنه يوجب ظن العلية.
وأما أنه إذا وجب ظن العلية، وجب اتباعه، فلأن الظن متبع في العمليات بما عرف في الدليل على إثبات القياس من أنه يتضمن دفع ضرر مظنون". شرح المختصر "٣/ ٤١٣-٤١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>