للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الأمر نزل في مخاصمةٍ في سيل ماء، فما بالك بمن لم يرض بقضاء النبيّ وحكمه في أصول الدين وفروعه، وصدَّ الناس عن ذلك.

قال ابن القيم: «فأقسم سبحانه بأجلِّ مُقسَمٍ به -وهو نفسه ﷿ على أنّه لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يُحَكِّموا رسول الله في جميع موارد النزاع، في جميع أبواب الدين، فإنّ لفظة «ما» من صيغ العموم .. ولم يقتصر على هذا حتى ضمّ إليه انشراح صدورهم بحكمه، حيث لا يجدون في أنفسهم حرجًا -وهو الضيق والحَصَر- من حكمه، بل يقبلوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالتسليم، لا أنّهم يأخدونه على إغماض، ويشربونه على قذى، فإنَّ هذا مناف للإيمان، بل لابدّ أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر.

ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضمّ إليه قوله تعالى: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فذكر الفعل مؤكدًا بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو التسليم والخضوع له والإنقياد لما حكم به طوعًا ورضًا، وتسليمًا لا قهرًا ومصابرة، كما يسلم المقهور لمن قهره كرهًا، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحبّ شئ إليه، يعلم أنَّ سعادته وفلاحه في تسليمه إليه ويعلم بأنه أولى به من نفسه وأبرّ به منها وأقدر على تخليصها، فمتى علم العبد هذا من رسول الله واستسلم له، وسلم إليه، انقادت له كل علّة في قلبه، ورأى أن لا سعادة له إلّا بهذا التسليم والانقياد» (١).

٣) عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ».


(١) الرسالة التبوكية (ص: ٢٥).

<<  <   >  >>