ج - وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَأَمْثَالَهَا كَانَتْ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَطَّرِدُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ شَكَتْ مَا تَلْقَى يَدَاهَا مِنَ الرَّحَى وَسَأَلَتْ أَبَاهَا خَادِمًا فَدَلَّهَا عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى عَوَائِدِ الْبِلَادِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ.
[علم الأنساب]: روي مرفوعاً: (عِلْمَ النَّسَبِ عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ وَجَهْلٌ لَا يَضُرُّ) .. وَلَا يَثْبُتُ، بَلْ وَرَدَ فِي الْمَرْفُوعِ حَدِيثُ: (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ)،
بل فِي عِلْمِ النَّسَبِ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ ابن عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ، فَمِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَاشِمِيًّا فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَنْ يَلْقَاهُ بِنَسَبٍ فِي رَحِمٍ مُحَرَّمَةٍ لِيَجْتَنِبَ تَزْوِيجَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِمَّنْ يَرِثُهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِرُّهُ مِنْ صِلَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ مُعَاوَنَةٍ.
• [الحج الأصغر والأكبر]:
اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحَجِّ الْأَصْغَرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ الْعُمْرَةَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ: الْقِرَانُ، وَالْأَصْغَرُ: الْإِفْرَادُ.
وَقِيلَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، لِأَنَّ فِيهِ تَتَكَمَّلُ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ.
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ: أَيَّامُ الْحَجِّ تُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ كَمَا يُقَالُ يَوْمُ الْفَتْحِ وَأَيَّدَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا.
وَقِيلَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِذا كَانَ صَبِيحَةُ النَّحْرِ وَقَفَ الْجَمِيعُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقِيلَ لَهُ: الْأَكْبَرُ لِاجْتِمَاعِ الْكُلِّ فِيهِ.
• اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ: (وما كفر سليمان) عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَمُتَعَلِّمَهُ كَافِرٌ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِه: وَهُوَ التَّعَبُّدُ لِلشَّيَاطِينِ أَوْ لِلْكَوَاكِبِ .. وَأَمَّا النَّوْعُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الشَّعْوَذَةِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَنْ تَعَلَّمَهُ أَصْلًا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُفْرًا وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كُفْرًا، بَلْ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ.