سفيان فدعا بغدائه، فلما فرغ من الثريد رفع، فوضعت بين يديه قصعة أخرى فصاح فقال: ما هذا؟ فأرسل يزيد إلى معاوية ابن أبي سفيان ﵁ وكان صاحب إمرة - فقال معاوية ﵁: ما الذي أنكرت يا أمير المؤمنين؟ قال: ما بالي توضع بين يدي قصعة وترفع أخرى؟ قال: إنك هبطت أرضا كثيرة الأطعمة فخفت عليك وخامتها، فأشر إليّ إن شئت حتى ألزمكه، فأشار إلى الثريد. فقام قسطنطين - وهو صاحب بصرى - بين يديه فقال: يا أمير المؤمنين: إن أبا عبيدة قد فرض عليّ الخراج، فاكتب له به، فأنكر عمر ذاك وقال: فما فرض عليك؟ قال: فرض علي أربعة دراهم وعباءة على كل جلهمة - يعني الجماجم (١) - فقال عمر ﵁ لأبي عبيدة: ما يقول هذا؟ قال: كذب، ولكني صالحته على ما ذكر ليستمتع به المسلمون في شتائهم هذا، ثم تقدم أنت فتكون الذي يفرض عليهم الخراج، فقال عمر ﵁:
أبو عبيدة أصدق عندنا منك، فقال قسطنطين: صدق أبو عبيدة، وكذبت أنا. قال: ويحك، فماذا أردت بمقالتك؟ قال: أردت أن أخدعك، ولكن افرض عليّ يا أمير المؤمنين الآن، قال: فجاثاه النبطيّ مجاثاة الخصم عامّة النهار، ففرض على الغني ثمانية وأربعين وعلى الوسط أربعة وعشرين، وعلى الناس اثني عشر درهما، وشرط عليه عمر ﵁ أن يشاطرهم منازلهم فينزل فيها المسلمون، وعلى أن لا يضربوا بناقوس ولا يرفعوا صليبا إلا في جوف كنيسة، وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما في أيديهم، وعلى أن لا يمرّ خنزير
(١) وفي تاج العروس ٢٤١:٨ «العرب يسمون الرجل جلهمة والمرأة جلهم».