للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:

١ ـ إن وجوب الكفارة ثبت معدولاً به عن القياس لأن وجوبها لرفع الذنب، والتوبة كافية لرفع الذنب.

٢ ـ ولأن الكفارة من باب المقادير، والقياس لا يهتدي إلى تعيين المقادير، وإنما عرف وجوبها بالنص، والنص ورد في الجماع، والأكل، والشرب ليسا في معناه لأن غريزة الجماع أقوى وأشد إلحاحاً من الأكل والشرب، فناسبها التغليظ في العقوبة لكبح جماح النفس، ولذا فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردًا في الأكل، والشرب فيقتصر على مورد النص (١).

قال ابن عبدِ البرِّ رحمه الله: " ... في المسألةِ قولان: أحدهما قول مالكٍ ومن تابعه، والحجّة لهم مِن جهةِ الأثرِ حديث ابنِ شهابٍ هذا، ومن جهة النّظرِ أنّ الآكل والشّارب في القياس كالمجامِع سواءٌ؛ لأنّ الصّوم في الشّريعةِ في وجهٍ واحدٍ شيءٌ واحدٌ، فسبيل نظيرِه في الحكمِ سبيله، والنّكتة الجامعة بينهما انتهاك حرمةِ الشّهرِ بما يفسد الصّوم عمدًا، وقد تقدّم أنّ لفظ حديث مالك في هذا الباب يجمع كلّ فطرٍ.

والقول الثّاني قول الشّافعي ومن تابعه، والحجّة لهم أنّ الحديث ورد في المجامِع أهله، وليس الآكل مثله، بدليل إجماعِهم على أنّ المستقِيء عمدًا إنّما عليه القضاء، وليس عليه كفّارةٌ، وهو مفطِرٌ عمدًا، وكذلك مزدرِد الحصاة عمدًا عليه القضاء، وهو مفطِرٌ متعمِّدًا، وليس عليه كفّارةٌ؛ لأنّ الذِّمّة بريئةٌ فلا يثبت فيها شيءٌ إلاّ بيقينٍ، والآكل عمدًا لا يرجم ولا يجلد ولا يجب عليه غسلٌ، فليس كالمجامِع، والكلام في هذه المسألة يطول وفيما لوّحنا به كفايةٌ" (٢).


(١) بدائع الصنائع (٢/ ٩٨)، الحاوي (٣/ ٤٣٥).
(٢) التمهيد (٧/ ١٦١).

<<  <   >  >>