الفن قد أفرد الأصحاب وغيرهم له كتبًا تختص به، وربما يسر الله تعالى إتمام كتاب "نهاية المرام في مذاهب الأنام" والغرض بهذا الكتاب جمع المذهب وتقريره وتجريده؛ ليحصل الناظر فيه الغنية عما سواه، مع أني قد أذكر أدلة الخصوم في معرض الاعتراض على ما أقرره وأصوبه، ثم أجيب عنها من غير أن أذكر مذاهبهم والقائلين بها؛ ولأن كثرة المذاهب وغرابتها مما يذهب من الأحكام نهايتها، ويقلل اليقين، ويقلقل المتقين و ... المبتدئ، ويحير المنتهي، فلا يبقى لمبتدئ قرار، ولا لمنتهي اختيار، مما يفيد الشتات، وقد علم كل أناس مشربهم؛ ولأن مذاهب الناس الآن لا يمكن الإحاطة بها لبشر، وذكر معظمها عظيم، وربما يكلف الإنسان في تعليل بعضها ما لا يقبله صاحب ذلك المذهب، أو لا يستقيم على قواعده، ولا يمكن الظفر كثيرًا بما قاله صاحبه ليحكى ويجاب عنه ويبحث فيه، بخلاف قدر ما على معرفة مذهبنا وما قيل فيه، وأما المذاهب المشهورة الآن فإن أهلها قد أكثروا القول في أقاويل أئمتهم، وتفاريع أصحابهم وتخاريجهم وتأويلاتهم وتعليلاتهم، فلا يمكن أن يعرفها على الوجه إلا من أفنى عمره فيها بينهم، ولا يكفي في ذلك الأخذ من كتبهم، فإنا رأينا من اعتمد عليها فخطؤه، بل رأيناهم يخطئون جماعة من أصحابهم في تصانيفهم، كما أنا نحن نخطئهم في كثير مما يحكون عنا، وربما نقلوه من كتبنا، وقد يرى الإنسان قولًا ويعتقد أنه المذهب والمعول عليه، ولا يعلم خلافه، ولا ما يقتضيه المذهب من الإطلاق والتفصيل. وأما حكاية البعض منها فسهل، ولكن لا وجه له في الكتب المراد منها الجمع والإكثار ويغني عن ذلك ... ونحوه من كتب الأصحاب بل "شرح الخرقي" للقاضي أبي يعلى