الآية الثالثة: قوله-عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً}(٩٧)[النساء: ٩٧]، احتج بها البخاري في باب الإكراه، ووجه الحجة منها: أن الملائكة عذروا هؤلاء في قولهم: {قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها}[النساء: ٩٧] وإنما لاموهم بتركهم الهجرة في الأرض مع القدرة عليها؛ فدل على أن المستضعف يكون معذورا فيما أظهره على خلاف ما يعتقده، وهو المراد بالتقية.
{قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}(٨٠)[هود: ٨٠] هو ظاهر إن لم يكن قاطعا في أنه إنما بذل لهم نكاح بناته تقية لعجزه عن مدافعتهم. وأما السّنّة فأحاديث:
أحدها: حديث حاطب بن أبي بلتعة، حيث كاتب الكفار ليحفظوه في صاغيته بمكة، مع كونه محاربا لهم، مسرا لعداوتهم، وقد صدقه النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك (١).
الثاني: حديث عائشة: أن رجلا استأذن على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بئس أخو العشيرة»، أو «بئس ابن العشيرة»، فلما سئل عن ذلك، قال:«إن شر الناس من أكرمه الناس اتقاء فحشه»(٢).
وهذا صريح في التقية، أو كالصريح.
الثالث: قوله صلّى الله عليه وسلّم لعمار حين كان يعذب على أن يكفر: «يا عمار، إن عادوا فعد».
الرابع: حديث الزهري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة «أن فاطمة جاءت