الأولى: أن هذا كان يوم أحد ففر عثمان وثبت علي؛ فدل على أن عليا أفضل؛ لأنه سلم من هذه اللائمة.
الثانية/:[٤٤ أ/م]: أن الفرار من الزحف كبيرة خصوصا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في تلك الضائقة، وقد أتاها عثمان.
الثالثة: دلت الآية على أن فرار عثمان إنما كان عقوبة على ذنب آخر أتاه لقوله عز وجل: {إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا}[آل عمران: ١٥٥] فكان عقوبة الذنب ذنبا مثله.
وأجابت السّنّة بتمام الآية، وهو/ [٩٣/ل] قوله-عز وجل:{وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}(١٥٥)[آل عمران: ١٥٥] والذنب المغفور كغير المعمول، ولو ساعد الدليل على أن يحمل تولى عثمان وأصحابه توليا مباحا، إما تحرفا لقتال، أو تحيزا إلى فئة، لكان أولى، لكنه لا يساعد إذ لو كان كذلك لما لحقتهم اللائمة، ولما احتاجوا إلى العفو، وبما أجبنا به أولا أجاب ابن عمر عن عثمان مع معرفة ابن عمر بحقيقة الواقعة.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(١٥٦)[آل عمران: ١٥٦] هذا هو قول القدرية المعتقدين لكون الإنسان يخلق الموت والقتل وأسبابه، فلو لم يخلقه لم يقع، فرد الله-عز وجل-ذلك عليهم بأنه هو الذي يحي ويميت بما يخلقه من الموت والحياة على أيدي خلقه، ويجبرهم على اكتساب أسبابه، وإنما خذل القدرية حتى اعتقدوا معتقدهم ليجعل ذلك حسرة في قلوبهم، يتندمون على فعلها كلما ذكروها تعجيلا لجزء من عذاب القدر لهم في الدنيا قبل الآخرة.
{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران: ١٦٥] أي: بذنوبكم، فعله الله-عز وجل-بكم، وليس المراد أنكم خلقتموه كما زعم القدرية بدليل قوله عز وجل:
{وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}(١٦٦)[آل عمران: ١٦٦] إشارة إلى تعليل هذا الفعل بهذه الحكمة، ويحتج به على أن أفعاله-عز وجل-معللة بالعلل الحكمية {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ اِدْفَعُوا}