قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧)[آل عمران: ١٦٧] يحتج به المعتزلة في إثبات المنزلة بين المنزلتين، وعلى المنافقين لا كفار ولا مؤمنون، كالخنثى بين الذكر والأنثى؛ لأن الكلام هنا في المنافقين، ولم يقطع لهم أحد بأحد الطرفين بل جعلهم إلى الكفر أقرب منهم للإيمان، وهو يدل على ما ذكرنا، وكذلك المعتزلة قالوا: المؤمن إذا أتى الكبيرة خرج عن الإيمان لفسقه، ولم يدخل في الكفر لبقاء إسلامه وتوحيده، فهو إذن في منزلة بين منزلتين، لا كافر ولا مؤمن.
{الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}(١٦٨)[آل عمران: ١٦٨] كقولهم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(١٥٦)[آل عمران: ١٥٦] وقد سبق، ثم أجيبوا على جهة التعجيز والتكذيب؛ فقيل لهم:{فَادْرَؤُا} أي ادفعوا {الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}(١٦٨)[آل عمران: ١٦٨]، لأن من يدفع عن غيره أولى/ [٤٤ ب/م] بأن يدفع عن نفسه، وهم لا يستطيعون الدفع عن أنفسهم كما تبين في الواقع، فكذا عن غيرهم.
{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(١٦٩)[آل عمران: ١٦٩] يعني الشهداء، يحتج بها على أن الأرواح أجسام؛ لأنه وصفوا بعد القتل بالحياة والرزق والفرح والاستبشار وتلك صفات الأجسام، ثم إن تلك ليست هي الأجسام الطبيعية التي كانت قبل القتل؛ لأن تلك مشاهدة عندنا ليس لها شيء من الصفات المذكورة، فدل على أنها صفات أجسام [هي] الأرواح، ولقائل أن يقول: لعل الصفات المذكورة للطير الخضر التي تتعلق بها أرواح الشهداء، وتعلق من شجر الجنة، وحينئذ لا يدل على أن الأرواح أجسام.