إن المتواتر منتف؛ لأن الاتفاق عليه بتقدير وقوعه لازم له، والاتفاق منتف؛ فالتواتر منتف.
والجواب عن شبهتهم قوله: التواتر ثابت بين الملل الثلاث على قتل المسيح.
قلنا: لا نسلم التواتر عندهم، سلمناه، لكن التواتر إنما يحتج به إذا كان داعيه متفقا وليس كذلك هاهنا؛ لأن داعي اليهود إلى إثباته التشفي بالمسيح، وداعي النصارى إلى إثباته التعدي على اليهود والتشنيع عليهم، وأما داعي المجوس فيحتمل أنه التقليد للطائفتين، ويحتمل أنه السخرية بهم، ويحتمل أنه استدراجهم إلى الضلال، إذ لم يوافقوهم في التنبيه من هذا التواتر مركب الداعي محتمل للباطل فلا يسمع.
سلمنا ثبوت التواتر بينهم لكن لا نسلم لهم على قتل عين المسيح، بل على قتل شخص ظن الراءون أنه المسيح، ولا يلزم من ذلك أنه عين المسيح لاحتمال أنه شبه لهم، كما جزم به القرآن، ويدل على تحقيق ذلك أن في الإنجيل أنهم لما أخذوا المسيح ليقتلوه أظلم الوجود من الساعة الثالثة من النهار إلى الساعة التاسعة حتى ظن الناس أن الساعة قد قامت، ففي هذه المدة المزعجة ألقي شبه المسيح إما على بعض تلاميذه وأحبائه منحه له وفداء للمسيح به، أو على عدوه يهوذا الأسخر يوطي الذي دل عليه وأسلمه كيدا له ومكرا به، فقتل وعرج بالمسيح، وهذا الاحتمال لا ينتفي أبدا، وما لم ينتف لا تتم حجتهم، ولا تسلم من كدورات الظن، فلا يعتمد عليها في مقام القطع، وأما كون قتله سببا للعداوة بين اليهود والنصارى فبناء على اعتقادهم الفاسد في أن اليهود قتلته؛ فلا حجة فيه.
قوله: قتل المسيح ثابت في الإنجيل المتواتر.
قلنا: أما أنه ثابت في/ [٥٧ أ/م] الإنجيل فنعم، وذلك لا يضرنا، كما لا يضركم إثبات تنبيه المجوس ونبوة نبيهم زرادشت في كتبهم.
وأما كون الإنجيل متواترا فممنوع؛ لأنه إنما ألف على جهة التأريخ، وحفظ سيرة المسيح بعد أن رفع وقتل وصلب على زعمكم بنحو ثمانين سنة، معتمدا في جمعه على أربعة، وهم: لوقا ومرقص ويوحنا ومتى، ومثل هذا لا يحصل به التواتر، ودعوى النصارى أن هؤلاء كانوا أنبياء معصومين حل عليهم روح القدس دعوى خيال تورث الخبال تكاد تزول منها الجبال، فلا تسمع قوله: أطبقت النصارى عليه في شرق البلاد وغربها كإطباق المسلمين على القرآن.
قلنا: التواتر لا يثبت بمجرد الإطباق، وإنما يثبت بوجود حقيقته وشروطه، وهي اتفاق العدد الكثير المأمون تواطؤه على الكذب على الإخبار عن محسوس مع اتفاق الطرفين