والواسطة في هذه القيود، وهذا المعنى موجود في إطباق المسلمين على نقل القرآن، وليس موجودا في نقل النصارى للإنجيل، فإن الطرف الأول الذي على عهد المسيح لم يكونوا على شرط التواتر لقلتهم وضعفهم، حتى إن المسيح-على زعمكم-قتل قتل اللصوص وصلب بين لصين، وما استطلقوا جثته إلا استطلاقا من هيردوس الملك، حتى دفنوها، وإن بطرس رئيس الحواريين وأشجعهم وأصدقهم في محبة المسيح [لما سئل عن المسيح] أنكره في ليلة واحدة قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، ثم لم تزل الملة المسيحية خاملة مستضعفة مع اليهود لا يجسر أحد أن يتظاهر بذكر المسيح ولا بسيرته، ولا بالإنجيل حتى ظهر قسطنطين ابن قسطنطين فأظهرها، وذلك بين من السنين نحو ثلاثمائة سنة؛ فأين التواتر وما هذا شأنه.
وكذا قوله: إن الإنجيل معصوم. وهو ممنوع؛ لأن المعصوم له تفسيرات، أحدهما: يراد به كلام الله-عز وجل-ورسله والإنجيل [الذي بأيدي النصارى ليس كلام الله عز وجل إلا على زعمهم أن المسيح هو الله والإنجيل] كلامه وذلك بناء ممنوع [على ممنوع]، وليس هو كلام المسيح جميعه بل بعضه كلامه وأكثره حكايات ومجريات من كلام غيره شبيه بالسيرة والتاريخ.
والثاني: أن يراد به المحفوظ من التناقض [والتهافت وليس الإنجيل كذلك إذ قد بين الناس فيه من التناقض] كثيرا جدا على ما استقصيناه في كتاب مفرد، ولو لم يكن من ذلك إلا التهافت الذي في قصة صلب المسيح لكان كافيا حتى احتاج شراحه والمفسرون له إلى تكلف بعيد في إزالته، ولم يزل، فأين الإنجيل والحالة هذه من العصمة، وقد تكلم في تهافت الإنجيل [والرد على] جماعة منهم أبو محمد بن حزم (١) وابن عوف/ [٥٧ ب/م] الزهري الإسكندري (٢) وتقي الدين صالح الخطيب القوصي، وأحسنوا، وأجودهم ابن عوف، فلقد شفى وكفى.
فتبين بما ذكرناه ضعف، بل بطلان دعواهم في قتل المسيح إن شاء الله، عز وجل.
{وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً}(١٥٧) / [١٢١/ل][النساء: ١٥٧] هذا يحتمل أنه نفي ليقين القتل، ويحتمل أنه يقين لنفي القتل، وهو المراد، وإن شئت يحتمل أن القتل منفي التيقن أو