{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(٤٧)[القصص: ٤٧] وتحقيق هذا أن حجة الله- عز وجل-على ضربين: خفية يستبد بعلمها، وظاهرة يشاركه في العلم بها خلقه، فالأولى:
قائمة على الخلق بدون الرسل؛ إذ هو سبحانه وتعالى غير متهم في حكمه وعدله.
والثانية: لا تقوم بدون الرسل، أقوى الحجتين وأظهرهما، فأخذ الله-عز وجل-بها؛ لأنها أحوط لدفع تهمة الجور عنه من الكفار؛ إذ لو عاقبهم بحسب علمه فيهم لقالوا: ما أنصفتنا، لو أنذرتنا برسول، / [١٢٢/ل] لما توجهت لك علينا حجة، ثم ترتب على هذا أن العقل [لا حكم] له إذ/ [٥٨ أ/م] لو كان له حكم لما توقف قيام حجة الله-عز وجل-على خلقه على بعثة الرسل، إذ كان العقل كافيا في قيام الحجة، وهذه الآية من هذا الوجه موافقة لقوله عز وجل-: {مَنِ اِهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(١٥)[الإسراء: ١٥] ولم يقل حتى نجعل لكم عقولا، غير أن تحقيق محل النزاع ما هو، فالجمهور يحكون عن المعتزلة أنهم يقولون: العقل حاكم، وهي عبارة فيها إجمال وشناعة لإيهامه الشرك في الحكم كما أشركوا في خلق الأفعال، والمعتزلة يفسرون مرادهم بأن العقل جعله الله-عز وجل-مدركا لحسن الحسن وقبح القبيح، بحيث يقتضي من جهة الحكمة المناسبة والمناسبة الحكمية أن يثاب على الأول، ويعاقب على الثاني، وأن الحسن والقبح مدركان بالعقل، كما يدركان بالشرع، وأن الشرع مؤكد لحكم العقل في ذلك