أما نفي إلهيته فقد سبق عليه أدلة، وقد استدل الله-عز وجل-عليه هاهنا بقوله:
{كانا}[المائدة: ٧٥] يعني هو وأمه مريم {يَأْكُلانِ الطَّعامَ}[المائدة: ٧٥] وهو كناية عن شيئين:
أحدهما: أنهما كانا يفتقران إلى أكل الطعام المقيم للبنية، وكل مفتقر إلى ذلك فليس بإله؛ ينتج أنهما ليسا بإلهين.
الثاني: / [٦٩ ب/م] كانا يحتاجان إلى الخلاء وقضاء الحاجة، وكل من احتاج إلى ذلك فهو حادث، وكل حادث فليس هو بقديم، وكل من ليس بقديم فليس هو بإله؛ ينتج أنهما ليسا بإلهين.
ولما علم النصارى بقوة هذه البراهين/ [١٤٧/ل] وكونها مبطلة لدعواهم-فزعوا إلى شبهة سولها لهم الشيطان؛ فزعموا أن المسيح جملة مركبة من ناسوت ظاهر، ولاهوت باطن، وأنه كان يأكل ويشرب ويقضي الحاجة، ويألم من جهة ناسوته، ويفعل المعجزات ويظهر الخوارق من جهة لاهوته.
قالوا: وحينئذ ما ذكرتموه من البرهان إنما يدل على نفي الإلهية والقدم عن ناسوته فقط لا عن لاهوته، وهذا بناء منهم على أن اللاهوت حل في جسد المسيح، وقد سبق بطلانه.
ولنذكر هاهنا من ذلك وجهين: أحدهما أن المعقول من الحلول إحاطة المحل بالحال كإحاطة الظرف بالمظروف، فلو حل اللاهوت هيكل المسيح لكان جسد المسيح أكبر مما حل فيه، فيكون الجسد البشري أعظم من الذات الإلهية، وأنه محال.
الوجه الثاني: أنه لو عورضوا بمثل دعواهم في جميع الأنبياء وأنهم ركبوا من ناسوت ولاهوت، وأنهم أكلوا الطعام بناسوتهم، وأظهروا المعجزات بلاهوتهم لم يجدوا عن ذلك جوابا، ولا أمكنهم الانفصال عنه بطائل غير أنهم يقولون: ولد من غير أب فينتقض عليهم