احتج بها التناسخية؛ وهم القائلون بتناسخ أرواح الحيوان بعضها في أجساد بعض بعد موته، ووجه استدلالهم بها أنها تضمنت أن الدواب والطير أمم أمثال الناس، وإنما يكونون أمثال الناس بتقدير أنهم كانوا على مثل حالهم، ثم انتقلوا إلى صور الدواب والطير/ [١٦١/ل]، وذلك معنى التناسخ.
وجوابه: أن التناسخ على رأي أهله قد تقرر في الكلام والحكمة أنه محال، وأما هذه الآية فليست نصا فيه ولا ظاهرا، فلا وجه للاستدلال بها عليه، ولكن الأشياء نسبة فدليلهم كمدلولهم في الضعف والبعد عن العقل، والآية تحتمل وجوها.
الثاني: أنهم مثلنا في التكليف وإرسال الرسل فيهم، بدليل {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاِجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(٣٦) / [٧٦ أ/م]) [النحل: ٣٦]. على ما ذهب إليه بعضهم في عمومه في أمم العقلاء، وغيرهم.
الثالث: أنهم أمثالنا في أنهم عقلاء مدركون، على ما ذهب إليه قوم.
الرابع: أنهم أمثالنا في أنهم يرزقون، بدليل {*وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}(٦)[هود: ٦]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(٦٠)[العنكبوت: ٦٠].
الخامس: أنهم أمثالنا في أنهم يبعثون، ويحشرون كما دل عليه آخر الآية، ويحتمل غير ذلك مما يستبد الله-عز وجل-بعلمه، [ومع هذه الاحتمالات القريبة الظاهرة، أي شيء يبقى للتناسخ البعيد عنها يحتج عليه منها].