الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)[الأنعام: ٣٨] يحتج به الظاهرية على إبطال القياس، وتقريره أن كل حكم من أحكام الشرع الممكنة فهو شيء، والكتاب لم يفرط فيه في شيء، ينتج أن كل حكم من أحكام الشرع الممكنة لم يفرط فيه في الكتاب.
وحينئذ لا حاجة إلى القياس؛ لأنا نستفيد الأحكام من نصوص الكتاب وعموماته وظواهره، وبيان السّنّة له، وما لا حاجة بنا إليه فإثباته عبث، والعبث باطل، فإثبات القياس باطل وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ الجامع لكليات العالم وجزئياته، حتى إن الكتب المنزلة جميعها جزء منه، وليس المراد به خصوص القرآن، فلا يتم استدلالهم.
الثاني: سلمنا أنه المراد لكن القياس من جملة الأشياء التي لم يفرط في الكتاب فيها، وهو حجة من حجج الشرع، بدلالة مستفادة من الكتاب، ثم ينتظم الدليل هكذا: القياس شيء والكتاب لم يفرط فيه في شيء، فالقياس لم يفرط فيه في الكتاب.
وسيأتي القول فيه في موضع آخر، إن شاء الله-عز وجل.
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}(٤٠)[الأنعام: ٤٠] هذا من قواصم الاعتزال في نسبة الهداية والإضلال إلى الله -عز وجل-وقد سبق مثله، وسبب ذلك ما يخلقه الله-عز وجل-من الدواعي.
والصوارف في قلب الإنسان فيهتدي أو يضل بها.
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}(٤٠) / [١٦٢/ل]) [الأنعام: ٤٠] الآيتين: هذا من أدلة التوحيد، وتقريره أن الإله هو المفزوع إليه عند الشدائد، ولا شيء من الأصنام ونحوها، بل ومما سوى الله-عز وجل-[مفزوع إليه عند الشدائد، تنتج لا شيء من الأصنام، وما سوى الله-عز وجل-] بإله، والمقدمتان واضحتان.