وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)[الأنعام: ١٤٥] حصر المحرمات في هذه الثلاثة؛ فاقتضى إباحة ما عداها، ثم خص من ذلك العام بالسنة كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وبالقرآن كل مستخبث، ونقل عن مالك التمسك بهذه الآية في إباحة ما عداها.
{وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما}[الأنعام: ١٤٦] عام مطرد في تحريم ذلك على اليهود.
{إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنّا لَصادِقُونَ}(١٤٦)[الأنعام: ١٤٦] عام خص بالمستثنيات بعده.
{ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنّا لَصادِقُونَ}(١٤٦)[الأنعام: ١٤٦] دل على أن تحريم الطيبات من العقوبات، ثم قد يكون بدون عقاب محسوس كهذه الآية.
وقد يكون مع عقاب محسوس كاليهود وغيرهم من الكفار في/ [٨٣ ب/م] الآخرة يحرمون الجنة الطيبة، ويعاقبون بالنار المؤصدة-أعاذنا الله-عز وجل-وإياكم منها.
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ}(١٤٨)[الأنعام: ١٤٨] قرئت (كذّب) بالتشديد فلا حجة فيها للمعتزلة، وقرئت (كذب) بالتخفيف، وحينئذ يحتجون بها، وتقريره: أن كذبهم في إحالة شركهم على مشيئة الله-عز وجل-ولو كان شركهم بمشيئته لكانوا صادقين ولم يكذبهم؛ فدل على أن الشرك، وتحريم المباح وغير ذلك من المعاصي ليس بمشيئة الله-عز وجل-وإنما هو بمشيئة فاعليه وخلقهم، وهذا من عمدهم في المسألة.
وأجاب الجمهور عنها بأن تكذيبهم ليس راجعا إلى قولهم:{لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ}(١٤٨)[الأنعام: ١٤٨] وإنما هو راجع إلى ما تضمنه من إخبارهم باعتقاد ذلك؛ كأنه قال: كذبتم في إخباركم/ب ١٧٨/ب] بأنكم تعتقدون نفوذ مشيئة الله بإشراككم وذلك لأن قولهم: {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا} [الأنعام: