٣٣] يحتج به من زعم أن خبر الواحد يفيد العلم؛ لأنا إنما نقبل خبر العدل، والعدل قد حرم عليه أن يقول ما لا يعلم، فوجب أن لا يقول إلا ما يعلم، وذلك يفيد العلم، وهو ضعيف ومقدمته الأخيرة ظنية؛ لجواز أن يخالف لداع أو صارف؛ فيقول ما لا يعلم، ثم لو أفادت الآحاد العلم لما احتيج إلى العدد في البينات، وما تفاوتت في العدد ولما كان للاستفاضة والتواتر مزية على الآحاد واللوازم باطلة؛ فالملزوم كذلك؛ ولأنا نجد أنفسنا غير عالمة بموجب خبر الواحد فالقول بإفادته العلم مصادم لهذا العلم الوجداني الضروري؛ فلا يلتفت إليه، وربما احتج بقوله-عز وجل-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(٣٢)[الأعراف: ٣٢] من يرى إباحة الطرب وسماع الملاهي، لأن الآية اقتضت إباحة عموم الطيبات من الرزق وهذه الأشياء من طيبات رزق السمع؛ فكانت مباحة كطيبات رزق الذوق والشم والبصر واللمس، وهذه والتي قبلها-أعني إفادة خبر الواحد العلم-يعزيان إلى مذهب الظاهرية، والأشبه أن سماع الملاهي إن دعا إلى حرام، أو أشغل عن واجب فهو حرام، وإن دعا إلى مكروه أو صد عن مندوب فهو مكروه، وإلا فهو مباح، وحيث يحرم يخرج جواز التداوي به من الماليخوليا ونحوه من الأمراض، على الخلاف في التداوي/ [١٨٦/ل] بالمسكر.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}(٣٤)[الأعراف: ٣٤] ونظائرها حجة للجمهور على أن المقتول هلك بأجله لم يكن ليستأخر عن ذلك ولا يستقدم، ولو لم يقتله القاتل [لهلك في وقت القتل بسبب غيره، خلافا للمعتزلة فيما حكي عنهم من أن القاتل] قطع عليه أجله، ولو لم يقتله لاستمر حيا إلى آخر أجله؛ استصحابا لحال حياته، والأشبه الأول؛ لأن تفويت هذه الحياة المعينة في هذا الوقت المعين بالسبب المعين معلوم لله-عز وجل-وكل ما كان معلوما لله-عز وجل -استحال تغيره بتقدم أو تأخر، وما قاله المعتزلة تخيل ذهني لا وقوع له في الخارج أصلا.
{فَمَنِ} / [٨٧ ب /م]{اِتَّقى وَأَصْلَحَ} أي اتقى الكفر وأصلح العمل فهو في قوة {فَمَنِ اِتَّقى وَأَصْلَحَ}{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} وقد سبق القول فيه.