{فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}(١٦٥)[الأعراف: ١٦٥] اعلم أن أصحاب السبت انقسموا إلى: مباشر للمعصية/ [٩٣ ب/م] ومنكر لها ناه عنها، ولا مباشر ولا منكر، فلم ينج من العذاب إلا الناهون، وأما العصاة فعوقبوا بمعصيتهم والساكتون عنها عوقبوا لتركهم الإنكار الواجب. وتعلقت الشيعة بهذا؛ إذ زعموا أن الصحابة انقسموا إلى: مؤذ لأهل البيت ومعين له، وساكت عن الإنكار والنصرة مع القدرة، ومنكر منتصر بلسانه أو قلبه. قالوا: والفرق الثلاث الأول هالكة والناجية هي الرابعة وهم الشيعة أولا وآخرا كما في أصحاب السبت.
وأجاب أهل السّنّة: بأنا لا نسلم أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم آذى أهل البيت، ولو سلمناه لكن القرآن ورد بمدحهم، وذم أصحاب السبت فلا يصح قياس أحدهما على الآخر؛ إذ هو قياس ضد على ضد، أو جمع حيث فرق النص، وهو فاسد الاعتبار.
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(١٦٩)[الأعراف: ١٦٩] تضمنت أن الكذب على الله-عز وجل-وكتبه ورسله حرام لا يجوز أخذ الأجرة عليه، فيحتج به على أن تحريف التأويل والنصوص من الكتاب والسّنّة والأحكام والفتاوى لا تجوز بعوض ولا محاباة ولا غيرهما، خلافا لما حكي عن بعض الفقهاء أنه يفتى الأجانب بالعزائم والأقارب والأصدقاء بالرخص، وإن ضعف مستندها في النظر.
قوله-عز وجل-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ}(١٧٢)[الأعراف: ١٧٢] دلت على أن الذرية أخذت من ظهور بني آدم، والتفسير بأنها أخذت من ظهر آدم، وكلاهما حق؛ لأن الذرية استخرجت في هذا المقام على ترتيبها وتفصيلها ذرية آدم من ظهره، ثم ذرية كل واحد من بنيه من ظهره؛ كما إذا فرضنا ألف صندوق بعضها في بعض في كل صندوق شيء من الجوهر فاستخرجنا بعضها من بعض.