ويحتمل أن يكون تجرد النفس شرطا في ذكر ذلك، أو تعلقها بالبدن مانعا منه، فإذا تجردت بالموت كشف عنها غطاؤها فأبصرت ما بين يديها ووراءها.
السؤال الثاني: كيف قامت عليهم الحجة الآن بذلك الإقرار وهم لا يذكرونه؟
وجوابه: أن المراد ليس إقامة الحجة عليهم الآن، بل تقوم يوم القيامة {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ}(١٧٢)[الأعراف: ١٧٢] وهم يومئذ يذكرون ذلك المقام إما بخلق الذكر فيهم أو بإزالة الموجب للنسيان، ثم لا يمتنع قيام الحجة عليهم بما لم يذكروا كما لزمهم الإيمان بما لم يدركوا، ولأن الصادق أخبرهم بوقوع ذلك المقام فلزمهم تصديقه ثم تقوم/ [٢٠١/ل] الحجة عليهم بذلك، كما لو علم الشاهد أن هذا خطه ولم يذكره.
ثم ربما ظن ظان أن الذرية إنما تكون للرجال دون النساء؛ لقوله-عز وجل:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الأعراف: ١٧٢] ولم يقل من بناته، ولا من ولده، وليس كذلك بدليل قوله-عز وجل:{فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}(٣٦)[آل عمران: ٣٦] وإنما قال: بني آدم، تغليبا لجانب الذكورية على ما هو المعتاد فيه.
١٧٨] يحتج به الجمهور في أن الهدى والإضلال من فعل الله-عز وجل-وخلقه وأنهما ينسبان إليه من هذه الجهة.
والمعتزلة يتأولون ذلك على أنه يهدي ويضل بفعل الألطاف أو منعها، ثم إذا قيل لهم:
منع اللطف إما موجب/ [٩٤ ب/م] للضلال فيلزمكم المحذور كما لو كان هو الخالق له، أو غير موجب له فلا يؤثر. قالوا: منع اللطف واسطة بين ما ذكرتم، وهو أنه مرجح للضلال غير موجب له، وإنما الموجب له اختيار العبد وفعله، وحينئذ يقال لهم: الموجب له فعل المكلف وحده أو مع منع اللطف، الأول باطل؛ لأنه إنما فعل شيئا يرجح وقوعه فاستحال استقلاله به بعد ذلك فتعين الثاني، وهو أن الموجب للفعل العبد مع منع اللطف؛ فيلزمكم إيقاع المقدور من قادرين، وأن ينسب إلى الله-عز وجل-من الجور الذي