أو يقال لهم: العبد هو الموجب الكامل للفعل، أو يشاركه فيه منع اللطف ويعود ما ذكرناه، وهذا تحقيق مع المعتزلة في البحث، وهو صعب عليهم.
{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ}(١٧٩)[الأعراف: ١٧٩] يحتج به الجمهور أيضا، وتقريره أن هذا يقتضي أن الإرادة والعلم تعلقا بأن هؤلاء للنار ثم خلقوا لأجلها، فكان تعلق الإرادة والعلم بأنهم للنار موجبا لصدور المعاصي التي هي أمارة العقاب منهم، وإلا انقلب العلم الأزلي جهلا والإرادة غير مؤثرة وإنه محال.
ويجاب بأن اللام في:«لجهنم» للعاقبة، أي: ذرأناهم للجنة على تقدير أن يطيعوا فعصوا فكانت عاقبتهم إلى النار، ثم لا نسلم أن تعلق العلم والإرادة بشيء ما يكون موجبا له؛ إذ شأن العلم الكشف، وشأن الإرادة التخصيص وإنما الإيجاب والتأثير/ [٢٠٢/ل] للقدرة فلا يعترض عليها غيرها من الصفات؛ إذ لكل صفة وظيفة تختص بها، ويعترض على هذا الجواب بأن لام التعليل أكثر من لام العاقبة، فحمل هذا اللازم على الأكثر أولى.
وأما قولهم: العلم والإرادة ليسا موجبين، قلنا: نعم لكنهما يستتبعان تعلق القدرة على وفق ما تعلقا به، وإلا تناقض مقتضى الصفات الأزلية أو الأحوال أو الذات على الخلاف في ذلك، وإنه محال، مثاله: لو تعلق العلم والإرادة به بأن زيدا في النار، فالقدرة إن تعلقت بذلك فهو المطلوب، وإن تعلقت بخلافه تناقضت الصفات في مقتضاها ولزم النقص في [هذه الصفة] التي لا يوجد متعلقها أو الجمع بين المتعلقات المتنافية وأنه محال هذا بحث جيد فتدبره.