(١٠٦)[التوبة: ١٠٦] التردد هاهنا بالنسبة إلى السامعين، أي: لا تدرون أي الأمرين يفعل بهم، أما المتكلم سبحانه وتعالى فلا يلحقه التردد في شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهذه/ [١٠١ ب/م] ترجع إلى صفة العلم.
{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ}(١١٣)[التوبة: ١١٣] إلى {وَما كانَ اِسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ}(١١٤)[التوبة: ١١٤] فيه احتراز المتكلم في كلامه عما يرد عليه في حكاية أو تعليل أو نظم أو قياس، وإجابته عن سؤال يتوقع وروده، وبيانه أنه -عز وجل-لما نهى النبي والمؤمنين عن الاستغفار للمشركين قدر أن قائلا قال: فهذا إبراهيم استغفر لأبيه المشرك بقوله: {وَاِغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ}(٨٦)[الشعراء:
٨٦] أفلا نتأسى به؟ ويقال: إن هذا وقع من بعض الناس، فأجاب الله-عز وجل-عنه بأن ذاك كان لأن أباه وعده أن يؤمن، فلما أصر على كفره تبرأ منه وترك استغفاره له، وقد يقال: إن إبراهيم لم يرد باستغفاره لأبيه حقيقة الاستغفار، إنما دعا له بما هو لازم المغفرة، وهو الإيمان، كأنه قال: اهد أبي ليصير أهلا للمغفرة، يدل على هذا قوله:
{وَاِغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ}(٨٦)[الشعراء: ٨٦] فلما علل بضلاله دل على أنه إنما دعا له بضد الضلال، وهو الهدى والإيمان.
{وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(١١٥)[التوبة: ١١٥] احتج بها الفريقان، أما الجمهور فلأنه-عز وجل-أسند الإضلال والهداية إلى نفسه.
وأما المعتزلة فلأنه أخبر أن حجته قائمة عليهم بأنه بين لهم ما يتقون، فخالفوا ولم يتقوا، وقد عرف الجواب. وهذا من المتشابه في أحكام الأفعال.
إن أبا بكر-رضي الله عنه-يوم السقيفة لما طلبت الأنصار الإمرة استدل عليهم بهذه الآية. وتقريره: إننا نحن الصادقون وقد أمرتم أن تكونوا مع الصادقين، فأنتم أمرتم أن تكونوا معنا؛ فتكونون تبعا لنا.