{هؤُلاءِ قَوْمُنَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً}(١٥)[الكهف: ١٥] وتقريره: أن السماوات والأرض دليل على إله قديم كامل، وغيره مما اتخذ آلهة لا دليل عليه، وما لا دليل عليه لا يثبت، إذ عدم الدليل على الشيء كدليل عدم الشيء، كما أن عدم البينة كبينة العدم، فكأن أهل الكهف تمسكوا على نفي الإله الثاني باستصحاب الحال، ورأوه كافيا، فكأنهم قالوا: قد ثبت لنا بدلالة السماوات والأرض على صانعهما إله، فمن ادعى ثانيا فصاعدا فعليه الدليل، ويحتمل أنهم أشاروا بذلك إلى طريقة للمتكلمين في نفي ما سوى الله-عز وجل-إلها، وتقريرها: أن الإله من حيث هو إله قد ثبت وهو يصدق بواحد، فإثبات الثاني ليس أولى من ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له، وحينئذ إثبات ما فوق إله واحد من هذه الأعداد والمقادير ترجيح بلا مرجح وإنه محال، ولعلهم إلى هذا أشاروا بقولهم:{وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً}(١٤)[الكهف: ١٤] أي بعيدا محالا للزوم الترجيح منه بلا مرجح منه/ [١٢٩ ب/م]:
{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً}(٢١)[الكهف: ٢١] جعل إيقاظهم من نومهم الطويل دليلا على البعث عن الموت؛ لأن النوم أخو الموت بجامع تعطل الحس، غير أن الموت نوم ثقيل، والنوم موت خفيف، ومن ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»(١) وحكي عن المسيح أنه كان يقول: «يا بني إسرائيل كما تنامون تموتون، وكما تستيقظون تبعثون» كل ذلك إشارة إلى تقارب النوم والموت، ولهذا سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم أفي الجنة