نوم؟ قل:«لا لأن النوم أخو الموت»(١) وفي الأثر: عجبت لمن ينكر البعث، وهو كل يوم يموت ثم يبعث! فأما قول أبي الطيب:
تمتع في حياتك من رقاد ... ولا ترجو كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى ... سوي حال انتباهك والمنام
فأشار إلى أن للإنسان ثلاثة أحوال: حال يقظة وموت ونوم، فاليقظة والموت طرفان؛ إذا اليقظة عبارة عن حال تعلق النفس بالبدن مستعملة للحواس، والموت عبارة عن حال انقطاع تعلق النفس بالبدن انقطاعا كليا من كل وجه، ويلزم ذلك تعطل الحواس لعدم تعقل النفس المستعملة لها، وأما النوم فواسطة بينهما؛ لأن النفس لا ينقطع تعلقها بالبدن فيه مطلقا، بل من وجه، وهو أنها تغتنم ركود الحواس بالنوم فتتوجه إلى عالم الغيب لاقتناص العلوم الغيبية مع التفاتها إلى الجسد، وعزمها على معاودته إذا قضت أربها من عالمها، فصار لثالث الحالين-وهو الموت، الذي هو ثالث لحالتي النوم واليقظة-معنى يخالف معنى النوم واليقظة.
فالنوم أشبه الموت بجامع التفاتها إلى عالمها، وفارقه وأشبه الحياة من جهة تعلق همها بالجسد.
وإن شئت قلت: اليقظة بقاء الحس والحركة، والموت تعطلهما جميعا، والنوم تعطل الحس دون الحركة؛ إذ هو يتحرك متقلبا من جنب إلى جنب، فبتعطل الحس أشبه الموت وببقاء الحركة أشبه اليقظة، والسر في ذلك غريب عجيب، ومن ثم كان من آيات الله- عز وجل-إذ يقول:{وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَاِبْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}(٢٣)[الروم: ٢٣].
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاُذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً} (٢٤)[الكهف: ٢٣ - ٢٤] هذا ضرب من التوحيد لأن من علم ألا تصرف له في نفسه، وأن التصرف لله-عز وجل -/ [٢٧٤/ل] فيه وفي غيره من العالم على الإطلاق، وأنه مصرف تحت مشيئته لا يستطيع حركة ولا سكونا إلا بإذنه وإرادته/ [١٣٠ أ/م] كان في ذروة من التوحيد،