للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ} (٤١) [النور: ٤١] هو من باب {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} (٤٤) [الإسراء: ٤٤] واحتج به من قال بأن من أعتق طائرا زال ملكه عنه؛ لأنه مصل مسبح بهذا النص فصح عتقه كالآدمي، ويعترض عليه بأن الصلاة والتسبيح ليست متحدة فيهما بالحقيقة فلم يتحد جامع القياس فلا يصح.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} (٤٣) [النور: ٤٣] اختلف في كاد فقيل: هي كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات، وقيل عكسه: نفيها إثبات وإثباتها نفي، فكاد زيد يقوم معناه ما قام، ولم يكد زيد يقوم معناه قام، والصحيح الأول؛ لأن كاد معناها مقاربة الفعل فإذا دخل عليها نفي انتفت مقاربة الفعل، فانتفاء نفس الفعل أولى إلا بدليل يثبته، وفى الإثبات يثبت مقاربة الفعل ويبقى نفس الفعل على استصحاب النفي إلا بدليل يثبته، فقولنا: كاد زيد يقوم أي قارب القيام أما كونه قام فالأصل عدمه إلا أن يثبت بدليل، وقولنا/ [٣٠٨/ل]: ما كاد زيد يقوم، أي: ما قارب القيام، فانتفاء القيام بنفسه أولى إلا أن يثبت بدليل؛ فههنا {يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} (٤٣) [النور: ٤٣] إثبات لمقاربة ذهاب البصر فنفس ذهابه على أصل العدم ولا دليل عليه ثبته، أما {أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} (٤٠) [النور: ٤٠] فمعناه: لم يقارب رؤيتها فانتفاء رؤيتها أولى، لكن ثبت رؤيتها بدليل العادة أن اليد لقربها ترى على كل حال، فهذه قاعدة كاد وحاصلها أن كاد لمقاربة الفعل وهو من لوازم الفعل، وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم، وثبوته لا يقتضي ثبوته إلا لدليل منفصل فيهما وقد تبين ذلك، وهذه القاعدة مطردة في كاد حيث وقعت، وعليها يتخرج قول ذي الرمة:

<<  <   >  >>