إذا أغير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي لم يقارب البراح، وإذا انتفت مقاربة البراح فانتفاء نفس البراح الذي هو ملزوم مقاربته المنفية أولى، وبهذا يتبين خطأ ابن شبرمة في اعتراضه على ذي الرمة حيث قال له:
أراه قد برح، وخطأ ذي الرمة حيث يرجع إلى ابن شبرمة وغير «يكد»«أجد» ما استدرك عليهما/ [١٤٦ أ/م] أبو البختري، والأشبه أن الوهم إنما هو من ابن شبرمة وحده، فأما ذو الرمة فإنما رجع إليه؛ لأنه لما رأى المكان موضع وهم يهم فيه مثل ابن شبرمة مع فضله وأدبه أراد رفع الاستدراك عن كلامه، والوهم فيه بالكلية وتخلصه عن شوائب الاستدراكات والأوهام هذا عذر ذي الرمة.
{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(٤٥)[النور: ٤٥] عام، واعترض عليه بعض النصارى بأن العقرب ونحوها من الحشرات مخلوقة من التراب لا من الماء وجوابه من وجوه.
أحدها: منع أن التراب المحض يتكون منه حيوان أصلا.
الثاني: أنه ليس المراد بتكوين الدواب من الماء البسيط الذي هو أحد العناصر الأربعة بل من الماء المستل من الأبوين وهو النطفة والعقارب تتناسل كغيرها.
الثالث: أن المراد بخلقها من ماء أن بدنها لا يتقوم إلاّ برطوبة مائية، وهذا لازم في كل حيوان.
الرابع: هب أن ما ذكرته صحيح لا جواب عنه فيكون الكلام عاما مخصوصا بالعقرب ونحوها، أو عاما أريد به الخاص، وذلك لا يعد تعارضا ولا تناقضا ولا خلفا من القول ولا يقدح في القرآن، ولا في غيره، من الكلام بوجه.
وأما تناقض إنجيلهم فقد قررنا منه شيئا كثيرا في كتاب مستقل.
{لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(٤٦)[النور: ٤٦] يحتج به الجمهور في تعليق الهداية/ [٣٠٩/ل] بالمشيئة وجودا وعدما، وأما الآيات فالمقصود بها إقامة الحجة بالكشف عن طريق المحجة لا غير، أما أنها تهدي الهداية المخلصة فلا وإنما هي مرشدة.