وقع بين يديه طائر صغير، بديع الخلقة جدا؛ فأعجبه فمد يده ليأخذه لبعض صغار ولده؛ فتأخر الطائر يسيرا؛ فتقدم له داود؛ فتأخر يسيرا، فلم يزل كذلك يستتبع داود مطعما له، حتى صعد سطح المحراب، ثم طار فأتبعه داود بصره؛ فوقعت/ [١٧١ أ/م] عينه على امرأة تغتسل، فأعجبه جمالها، وكان زوجها: أوريا بن حنان في الجهاد؛ فكتب داود إلى أمير الجيش: أن قدم أوريا بن حنان في الجهاد؛ فكتب داود إلى أمير الجيش: أن قدم أوريا بالتابوت، وكان لا يتقدم به أحد، فيرجع إلا مفتوحا عليه أو مستشهدا؛ فقدمه بالتابوت مرارا، ويفتح عليه؛ ثم قتل بعد ذلك، لما ألظ الأمر به؛ فتزوج داود امرأته، وكان له غيرها تسع وتسعون امرأة؛ ولم يكن لأوريا إلا تلك المرأة، فلذلك جاءه الخصمان، فألزماه الحجة على لسانه بقياس جلي واضح.
وقد اختلف الناس فمنهم من صحح هذه القصة [وجوز على الأنبياء الكبائر بسببها وما أشبهها]، ومنهم من منع صحتها، لأنه من أخبار القصاص وغبرات أهل الكتاب أهل التحريف والتبديل، وهم لا يرون عصمة الأنبياء؛ فلا يتحاشون من نسبة مثل هذا وأعظم منه إليهم، فقد ذكر في توراتهم على ما شاهدته أن روبيل بن يعقوب وطأ سرية لأبيه فغضب عليه يعقوب، وقال: نجست فراشي وإن بعض كنائن يعقوب وقفت لزوجها في الطريق من حيث لا يعرفها فوطئها، غير عالم أنها زوجته، وأعطاها جديدا من المعز، وإن لوطا لما نجا بابنتيه إلى مغارة في الجبل، قالت إحداهما للأخرى: إن أبانا لا زرع له فهلمي نسقيه خمرا فيواقعنا؛ فيحصل له منا زرع؛ فأسكرتاه فواقعهما فأحبلهما، فكان من ولد إحداهما من ذلك الحمل بنو موات يعني المواتين، وزعموا أن داود من ذلك النسل وحينئذ فلعل هذه القصة في حق داود من أكاذيبهم على الأنبياء فلا يترك لها ما ثبت من دليل عصمتهم، وهذا هو اللائق بحالهم.
وإن كان الظاهر من حال داود-عليه السّلام-وقوع ذلك منه؛ لأن الذي حكاه ثقات المسلمين، كوهب بن منبه/ [٣٥٧ ل] وكعب الأحبار، وغيرهم، وكانوا أئمة أثباتا نقادا، فلو علموا فيها مغمزا لما حكوها عنه، ولأنه لولا مثل هذه القصة من مثل داود لما بكى ذلك البكاء، وناح ذلك النواح المحكي عنه فالله-عز وجل-أعلم بحقائق المغيبات بما كان، وما هو آت، وبتقدير صحة القصة يحتج بها على إثبات القياس، إذ حاصلها أنك ما كان لك أن تغلب أوريا على امرأته مع أن لك تسعا وتسعين امرأة كما لم يكن لأحد الخصمين أن يغلب صاحبه على نعجته مع أن له تسعا وتسعين نعجة.