فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦)[ص: ٢٦] فيه إشارة إلى أن عصمتهم من وقوع الضلال [لا من جوازه]، وقد سبق له نظائر.
{وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ}(٣٤)[ص: ٣٤] / [١٧١ ب/م] قيل: هو صخر المارد الذي أخذ خاتمه، وتشكل بشكله، وجلس على سريره؛ فسلب ملكه بسببه مدة، ثم عاد إليه، وقيل: هو ولده الذي حصل له من طوافه على تسعين امرأة في ليلة ثم أشفق عليه من الموت فسلمه إلى الغمام تكفله فقبض ثم ألقي ميتا على سريره.
تكلم الناس في هذا فربما ظن قوم أنه [حب للدنيا]، وآخرون أنه استئثار على أبناء الجنس، وآخرون غير ذلك وكله مما لا يليق نسبته إلى سليمان خصوصا مع حكمته، وتمام معرفته بالله-عز وجل.
والأشبه أن ذلك كان أمارة على عناية الله-عز وجل-به وحظوته عنده، فلذلك سأله، كما قيل: إن سؤال إبراهيم إحياء الموتى كان لكونه أمارة على خلته، أو لأن هذا جرى من سليمان مجرى الاستكثار من فضل الله وبركته، والتخصص بمزيد فضله كما أن أيوب مع كثرة ماله لما أمطر الله عليه جرادا من ذهب جعل يحثي في حجره؛ فلما قيل له:
ألم نكثر مالك قال: بلى، يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك.
{هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ}(٤٩)[ص: ٤٩] الآيات، فيها إثبات النعيم الحسي، وفيما بعدها من ذكر الحميم والغساق ونحو إثبات العذاب الحسي خلافا للنصارى والفلاسفة كما سبق.
{إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ}(٥٤)[ص: ٥٤] فيه دوام رزق الجنة وأكلها من غير انقطاع، وأن المعدوم منقطع إذ لا يجوز انقلابه دائما أبدا، واعلم أن المعلوم إما أزلي أبدي، وهو الحق سبحانه وتعالى، أو لا أزلي ولا أبدي كالأعراض تحدث وتفنى على الفور، أو أزلي لا أبدي كعدم العالم، أو أبدي لا أزلي كنعيم الجنة وعذاب النار وأهلهما، والله-عز وجل-أعلم بالصواب.