{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}(١٥)[ق: ١٥] هذا دليل آخر على البعث والمعاد بالقياس على ابتداء الخلق كما مرّ في سورة «الروم» وتقريره: لو امتنعت الإعادة لوجب أن نعيا، أي: نعجز عن الابتداء، واللازم باطل فالملزوم كذلك؛ بيان الملازمة أن الإعادة أهون من الابتداء كما تقرر وعرف، ولو امتنعت الإعادة لعجزنا عنها، ولو عجزنا عنها لكنا عن الابتداء الذي هو أصعب منها أعجز، فلو امتنعت الإعادة لعجزنا عن الخلق الأول.
وأما بطلان اللازم؛ فلأن الخلق الأول قد وجد منا، ويلزم ذلك أنا لم نعجز عنه، وإلا لما وجد، وأما بطلان الملزوم فلاستحالة وجوده مع انتفاء اللازم، وثم معنى الآية: أننا ما عيينا عن الخلق الأول حتى نعيا عن الثاني.
في شك واختلاط، وهل: قوله: (خلق)، مصدر/ [٣٩٦/ل] أو مفعول بمعنى مخلوق جديد؟ كلاهما محتمل، فإن صح أن المراد مخلوق جديد أمكن أن يصح قول من زعم أن المعاد ليست هذه الأجسام بعينها بل غيرها مثلها؛ إذ الجسم ليس مقصودا لذاته بل هو آلة لنعم الروح أو عذابها، وإن كان المراد بالخلق المصدر وهو الظاهر لا يلزم ذلك؛ لأن الإنشاء الثاني وإن كان غير الأول لكن المنشأ هو الأول بعينه كجدار ينهدم ثم يعاد بآلته بعينها، فالبناء الثاني غير الأول والمبنى واحد.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(١٦)[ق: ١٦]، يحتج بها الاتحادية على ما سبق.
وجوابه: أن قربه منه بالعلم والقدرة، وعلمه بوسوسة النفس لتعلق علمه بجميع المعلومات مع مباينة ذاته لسائر الذوات، لا لسريانه بذاته في الموجودات، كما زعموا.
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ}(١٧)[ق: ١٧] الآيتين، فيه الحفظة وكتابهم ما يصدر عن المكلف، يكتبون عليه بسيط اللفظ ومركبه من كلمة/ [١٩١ أ/م] وكلم وكلام، إذا القول يشمل ذلك كله.