{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}(٢٢)[ق: ٢٢] هذا كقوله-عز وجل-: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}(٤٧)[الزمر: ٤٧] ونحوه، واختلف في هذا الغطاء الذي إذا كشف صار البصر حديدا، فعند الصوفية: هو تجرد النفس عن علائق الأوهام والخيالات؛ ولهذا يستعملون الرياضة والخلوة والمجاهدة في إزالة الوهميات والخيالات، فمن صح له ذلك أشرف على كشوفات عظيمة، قال لي بعضهم:«ارتضت حتى رأيتني أدور بدوران الفلك في مجاري النجوم والشمس والقمر، أطلع إذا طلعت، وأغرب إذا غربت، وأتوسط إذا توسطت» وقال لي بعض الفضلاء منهم ببيت المقدس: «ارتضت حتى رأيتني والعالم كرتين إذا استغرقت فنيت كرته، وبقيت كرتي، وإذا عدت إلى عالم الحس كان بالعكس» وإذا أردت أن ترى العجب العجاب من ذلك فانظر في مرأى الشيخ أبي ثابت محمد بن عبد الملك الديلمي الهمذاني في كتاب «مرآة الأرواح» له.
وعند الاتحادية: هو تعلق ذات الحق بهذا الطور البشري، فبعد إدراك العقل له لشدة قربه، فإذا فارق مظهره البشري وصدر انكشف الغطاء عنه وظهر، وشبهوه بالقمر كلما قرب من الشمس استتر وانمحق، وكلما بعد عنها وقرب من مقابلتها استنار وأشرق.
وعن الفلاسفة: هو ملابسة النفس والروح اللطيف/ [٣٩٧/ل] للجسم الكثيف، فكان عليه كالغطاء مانعا له من إشراق النور العلوي عليه والضياء؛ فإذا تزايلا كشف الغطاء وتبين من الخير والشر جنس العطاء، ألا ترى أن الأدهان اللطيفة ما دامت سارية في محلها لا تؤثر آثارها المستعدة هي لها كالزيت في الزيتون والشيرج في السمسم ودهن اللوز فيه ونحوه، فإذا استخرجت منه وفارقها كثيفها أثرت تلك الآثار وانكشف عن وجه فعلها الغطاء فاستنار، وكذلك الماء للطافته يصف ما وراءه، والهواء كذلك لا يمنع نفوذ أشعة الإبصار فيرى الحيوان على بعد إزاءه فإذا خالطا الأرض الكثيفة المظلمة محقت ظلمتها تلك الأنوار، واحتجت لطافتهما وراء تلك الأستار وإذا أردت مشاهدة ذلك عيانا فانظر إلى لطافة الماء وصفائه، كيف يستهلكها التراب إذا جمع بينهما/ [١٩٠ ب/م] فصار طينا؟ ! فلو فرض تخليص الماء من الطين على صفته لعاد إلى فعله بموجب لطافته.