ومأخذ الحكم: النّهي الوارد بقوله: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ والنّهي يقتضي التّحريم، والتّحريم يقع على شرب المسكر أوّلًا، ثم على الفاعل أن يؤاخذ بأفعاله، فيما يفعله السكران من تلويث أو تشويش على المصلين، والخلاف في أقواله، وما يؤاخذ به منها، وما لا يؤاخذ، والأفعال أقوى من الأقوال.
تنبيه: رجّح الموزعي في كتابه «تيسير البيان» أنّ المراد بالصّلاة في شطر الآية الأولى، والذّي تعلق بها حكم قربان الصلاة للسكارى، المقصود بالصّلاة: عين الصّلاة، أي: العبادة ذاتها؛ نظرًا لسبب النزول الوارد فيها. وقد حكى المفسرون أن عبد الرحمن بن عوف ﵁ صنع طعامًا، ودعا ناسًا من أصحاب محمّد ﷺ فطعموا وشربوا، وحضرت صلاة المغرب، فتقدم بعض القوم، فصلى بهم المغرب، فقرأ ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ولم يتمها، فأنزل الله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ فإذا حملنا الصّلاة في الآية على موضع الصلاة وهو المسجد، حملناها على غير سببها، وحمل اللفظ على غير سببه، إخراج لسببه، وإخراج سببه غير جائز، ويترتب على حمل الصلاة هنا: على حقيقتها التنبيه الآخر، وهو المتعلق بتحريم الخمر حال قربان الصّلاة (١).
تنبيه آخر: إنّ تحريم الخمر حال قربان الصّلاة، لا يدل على جواز قربان الخمر في غير قربان الصّلاة، استدلالًا بمفهوم الحال؛ وذلك لأنّ هذه الآية كانت في مرحلةٍ من مراحل تحريم الخمر، ثم نُسخ إلى التّحريم على كل حال، وإذا نُسخ الأصل نسخ ما له من مفهوم.