أمّا القائلون بأن قيام الليل مندوب إليه، فإن كان قائلًا من قبل بالوجوب، فمأخذ الندب عنده: هو النّسخ السابق، وذلك لأنّ الوجوب إذا نسخ فإنّه يبقى النّدب، كما قرر ذلك كثير من العلماء.
وأمّا إن كان غير قائل بالوجوب، فإنّه يرى أن سياق الآية صارف له عن الوجوب وذلك في قوله: ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾
ومأخذ ذلك: هو أن تفويض التخيير للمكلف يدل على عدم الوجوب؛ إذ التخيير ينافي الوجوب.
وأجيب عنه: أن التخيير الذي ينافي الوجوب، هو التخيير بين الفعل والترك، أمّا التخيير بين خصال أو أفعال معينة، فلا ينافي الوجوب، فلا يبعد في العقل أن يقول: أوجبت عليك قيام الليل، وأمّا تحديد القدر الذي تقومه، فذاك مفوض إلى اختيارك.
وهذا الحكم في حق النبي ﷺ، والأصل أن ما خوطب به النبي ﷺ فإنّ أمته مخاطبة به، إلا ما دّل أنّه خاص به؛ ولذا كان الصحابة يقومون الليل حتى تورمت أقدامهم، والصارف للأمة من الوجوب إلى الندب، هو ما ورد عنه ﵊ للأعرابي الذي سأله عما يجب عليه في اليوم الليلة من الصلوات فأجابه ﷺ بأنها خمس صلوات، ثم قال الأعرابي: والله لا أزيد عليها، وأقره النبي ﷺ وقال:(أفلح إن صدق)(١).