قلت: ومأخذ ثالث: وهو أن وصف الفعل بأنّه شرّ لهم، من الأساليب الشّرعية الدّالة على التّحريم؛ وذلك لأنّه وصف لازمٌ، والذّم لا يكون إلا بسبب فعل المحرّم.
قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
قبل البدء في بيان مأخذ أحكام الآية، يحسن الوقوف على هذه المقدمة؛ لأجل تعلق الأحكام بها فأقول:
اختلف النّاس اختلافًا كثيرًا في هذه الآية، وسبب اختلافهم هو: اتفاقهم أن سورة الأنعام نزلت بمكة، وأنّ الزّكاة فرضت بالمدينة وأنّه لا حق في المال غير الزّكاة.
ولذا ذهب قوم إلى كون الآية منسوخة بالزكاة، وهو مذهب ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم.
وقيل: بل هي محكمة، وهؤلاء اختلفوا:
فقيل: ليس المراد بالحق في الآية ﴿وَآتُوا حَقَّهُ﴾ الزكاة، بل المراد: ترك شيء للمساكين غير الزّكاة، أي: حق في المال سوى الزكاة، أمر الله به ندبًا.
قلت: وهذا يُشكل عليه القول بأنّه ليس هناك حق في المال سوى الزّكاة.
وقيل: بل المراد بالحق في الآية الزكاة، وهؤلاء منهم من ذهب أن ما وجب في مكة هو اعتقاد وجوبها، ووقت العمل بها على بيان الجنس والقدر والوقت.