للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: «وقال الجمهور: الاستثناء عامل في ردِّ الشهادة، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته» (١).

وقال: «والاستثناء إذا تعقب جملاً معطوفة عاد إلى جميعها عند مالك والشافعي وأصحابهما، وعند أبي حنيفة وجُلِّ أصحابه يرجع الاستثناء إلى أقرب مذكور، وهو الفسق؛ ولهذا لا تقبل شهادته؛ فإنَّ الاستثناء راجعٌ إلى الفسق خاصّة، لا إلى قبول الشهادة» (٢).

ومأخذ الحكم من الآية الثانية: توبيخ المولى لمن لم يأت بهذا العدد في قذفه بالفاحشة، ولا يُوبخ الله إلا على ترك واجب أو فعل محرم، فدلّ على أن الأربعة شرط في إثبات حد القذف.

ويدل عليه في سياق الآية: ذم من رمى إنساناً، وليس عنده أربعة شهود، حيث سمّاه المولى كاذباً ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾، والذم على فعل أو ترك واجب كما سبق.

قال القرطبي: «﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾، هذا توبيخ لأهل الإفك، و «لولا» بمعنى: «هلّا»، أي: هلّا جاءوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الافتراء» (٣).

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٦ - ١٠].


(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/ ١٦٠).
(٢) المصدر السابق.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/ ١٨١).

<<  <   >  >>