للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غِشيانها، وهو قول مالك والشّافعي وجماهير أهل العلم. وقال أبو حنيفة: يحلُّ، وإن لم تغتسل، والمراد عنده صِرْنَ أهلًا للصّلاة، وهو خلاف الظّاهر من لفظ الآية؛ فإنها تدلّ لغيره من أربعة أوجهٍ:

أحدهما: قراءة من قرأ ﴿حتى يطّهّرن﴾ ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ كلتاهما بالتّشديد.

ثانيهما: قراءة أبي بن كعب ﴿حتى يطْهرن﴾ فلا يقدم الوقت مقام الفعل المنسوب إليهن.

ثالثهما: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ أي: اغتسلن، وبهذا فسر ابن عباس ومجاهد وغيرهما» (١).

قلت: لما كانت قراءة التخفيف في قوله ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ تدل على غاية النهي عن قربانهن، وهو انقطاع الدّم، وردت قراءة التّشديد ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ لرفع توهم جواز إتيان الحائض إذا ارتفع عنها الدّم وإن لم تطهر بالماء.

قال الموزعي: «رابعها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾» (٢).

قلت: والرّابع إنّما يدل على مشروعية الفعل وطلبه، فيعمّ الواجب والمندوب، فلا يمنع منه من قال بعدم وجوب الاغتسال.

قال ابن القيم: «وكل فعل عظمه الله ورسوله … أو أحبه، أو أحب فاعله، أو رضي به عن فاعله … فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والنّدب» (٣).


(١) تيسير البيان (١/ ٣٩٩ - ٤٠٠).
(٢) تيسير البيان (١/ ٤٠٠).
(٣) بدائع الفوائد (٤/ ٤).

<<  <   >  >>