للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العلامة القرافي (١): "كان القياس يقتضي أنه لا يجوز الإفتاء إلا بما يرويه العدل عن العدل، وعن (٢) المجتهد الذي يقلده المفتي حتى يصح ذلك عند المفتي، كما تصح الأحاديث عند المجتهد، لأنه نقل لدين الله في الموضعين، غير أن الناس توسعوا في الفتيا، فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خلاف القواعد. قال: والجواب: أن الكتب المشهورة لشهرتها بَعُدت بعداً شديداً عن التزوير، فاعتمد الناس عليها اعتماداً على ظاهر الحال، ولذلك أهمل الناس رواية كتب الفقه، وكتب النحو واللغة، بناء على بعدها عن التحريف، قال: وعلى هذا تحرم الفتوى من كتب لم تشتهر، ومن حواشي الكتب؛ لعدم صحتها [والوثوق بها] (٣) ". انتهى (٤). وهذا (٥) كلام في غاية الحسن.

إذا علمت ذلك؛ فقد زعم بعض المعاصرين في بعض المجالس، أن وقف الإمام عمر (٦) إنما كان لأرض الزراعة خاصة؛ لأن ذلك مما ثبت بطريق النقل، وما طريقه النقل لا يختلف فيه أرباب المذاهب. وتعليله هذا غفلة واضحة،


(١) هو الإمام أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري، المعروف بالقرافي، أحد الأعلام المشهورين بمصر في عصره؛ وانتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك ، وله مؤلفات قيمة، وانتشرت في البلدان، منها: "كتاب الذخيرة" في الفقه من أجل كتب المالكية، ومنها: "كتاب القواعد"، ومنها: "شرح محصول الرازي" وغير ذلك من الكتب النافعة، توفي في جمادى الآخرة، سنة ٦٨٤ هـ.
انظر: الديباج المذهب (١/ ٦٢)، الأعلام (١/ ٩٥)، وشجرة النور الزكية (١٨٨).
(٢) وفي (أ) "ومن"والمثبت من (ب) وهو أصح لدلالة السياق ولموافقته المطبوع من كتاب الإحكام (ص: ٢٤٤).
(٣) وفي النسخة (أ) "والوقوف بها" وهو خطأ، والمثبت من (ب) ودل على صحته سياق الكلام، وكذلك لموافقته للمطبوع من كتاب القرافي بالإحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام (٢٤٤).
(٤) راجع: الإحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام للقرافي (٢٤٤).
(٥) وفي (ب) وهو.
(٦) ما بين المعقوفين سقط من الأصل.

<<  <   >  >>