للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ذلك يقول صاحب الفقه على المذاهب الأربعة: وإن كان المشهور في المذاهب أن المعقود عليه هو الانتفاعُ بالمرأة دون الرجل كما ذُكر, ولكن ستعرف من مبحث أحكام النكاح أنه يحرم الانصرافُ عن المرأة إذا ترتب عليه إضرار بها, أو إفساد لأخلاقها, وعدم إحصانها, كما أنه يحرم على الرجل أن تتلذذ به أجنبيه عنه, فقواعد المذاهب تجعل الرجل مقصوراً على من تحل له كما تجعل المرأة مقصورة عليه, وتحتم على الرجل أن يعفها بقدر ما يستطيع، كما تحتم عليها أن تطيعه فيما يأمرها به من استمتاع إلا لعذر صحيح. (١)

ثانياً: موضوعه الشرعي وحقيقةُ المعنى فيه

اختلف الفقهاء في ما وضعت له كلمة (النكاح) شرعاً، هل تكون حقيقة في العقد مجازاً في الوطء, أم عكس ذلك، أم تكون مشتركاً بينهما، في أصل الوضع؟ فعند الشافعية الثلاثة الأوجه, أصحها أنها حقيقة في العقد، مجازٌ في الوطء. (٢) واحتجوا بأنه لم يأتِ لفظ النكاح في القرآن إلا ويكون معناه العقد، لا الوطء، قالوا: ولا يرد على ذلك قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (٣) لأن المراد بها العقد، والوطء مستفادٌ من خبر (٤) الصحيحين (٥) قالوا: ومحالٌ أن يكون في الأصل للجماع, ثم اُستعير للعقد؛ لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كتعاطيه, ومحال أن يستعملوا ما يستعظمونه لما يستحسنونه. (٦)


(١) الفقه على المذاهب الأربعة ٤/ ١١
(٢) مغني المحتاج ٣/ ١٦٥
(٣) سورة البقرة الآية رقم ٢٣٠
(٤) فيه إشارة إلى حديث عائشة رضي الله عنها قالت جاءت امرأة رفاعة القرضي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فقال يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري في كتاب النكاح، برقم ٢٤٩٦ م ٢/ ٩٣٣ ومسلم في كتاب النكاح، م ٢/ ١٠٥٥ ... برقم ١٤٣٣ وغيرهما.
(٥) مغني المحتاج ٣/ ١٦٥
(٦) التوقيف على مهمات التعاريف، ١/ ١٧٠، لمحمد عبد الرؤوف المناوي ط، دار الفكر المعاصر , دار الفكر - بيروت , دمشق، طبعة الأولى، ١٤١٠ تحقيق: د. محمد رضوان الداية.

<<  <   >  >>