سبق أن عرفنا أن العرف بمعنى العلم والمعرفة, والمعروف ضد المنكر, والعرف ضد النكر. وعقد الزواج الذي يتم بأركانه وشروطه كلها, عقدٌ معروف بصحته بين المسلمين، وغير منكر, من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى الآن, ولم يكن يوماً ما يفتقر إلى ما يسمى بتوثيق العقد, لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، فيحتاجون إلى كتابته وتوثيقه، (١) فلهذا كان العقد بهذه الصورة عرفاً تعارف عليه المسلمون, ثم نسب هذا العقد إلى العرف، فسمي عرفياً, فكان هذا العقد متعارف عليه بين كافة المسلمين بالصحة، ثم جاء مَن بعد الصحابة، وأصبحوا يتزوجون على مؤخر، فجاءت الحاجة إلى كتابةٍ، تُثبت فيها الحقوق؛ ثم بمرور الزمن وخراب الذمم، وتنصل بعض الأزواج من زوجاتهم، كانت الحاجة إلى توثيق هذا العقد أشد، والضرورة ألح، فشرَّعت القوانين، ونصَّت الدساتير، على ضرورة توثيق العقود، ولما كان ذلك، أُطلق على العقد الذي لم يوثق بأنه عقد عرفي، بمعنى أنه أُجري على الطريقة الأولى، المتعارف عليها بين المسلمين، والتي هي بدون توثيق، ولكنّ هذه التسمية أُطلقت اليوم، على أنواع أخرى, من العقود، تعارف عليها بعض الناس فقط, وأرادوا تسميتها بأنها عقودٌ عرفية؛ ليُبرروا شرعيتها، كالنكاح بغير ولي, والنكاح السري؛ بحجة أنها تُجرى بدون توثيق أيضاً، وفي ذلك تجاوز كبير؛ لأن المسلمين لم يتعارفوا يوماً ما، على إجراء عقود الأنكحة بغير ولي للمرأة, أو يكون العقد سرياً بغير شهود.
وعليه فإن تسمية هذين النوعين من العقود بأنها عرفية فيه تجاوز, لأن العُرف يكون عاماً، إلا إذا نظرنا إليها من جهة كونها غير موثقة رسمياً, فهي داخلة في التسمية من هذه النقطة, بغض النظر عن صحتها، أو بطلانها، وهذا هو وجه الشبه بينها وبين العقد المكتمل في أركانه وشروطه، ولكنَّ الناس اليوم يطلقون لفظة العرفي, على كل تلك الأنواع، دون تفريق بينها, وأصبح ذلك شائعاً معروفاً بينهم, فكان لابد أن نتكلم عنها تحت هذه التسمية, ونفردها بشيء من التفصيل، نظراً للمصلحة المرجوة.