الأمر الثالث: أن ما نقله عن بعضهم من جريانه في صلاة الجنازة، واقتضى كلامه استغرابه- هو المجزوم به في ((الرافعي)) في موضعه.
قوله: وقد اعترض الرافعي على اشتراط الفرضية فقال: إن عنى بالفريضة في هذا المقام كونها لازمة على المصلي بعينه وجب ألا ينوي الصبي الفريضة بلا خلاف، والأئمة لم يفرقوا بين الصبي والبالغ، بل أطلقوا الوجهين. وإن عنى بها كون الصلاة من الصلوات اللازمة على أهل الكمال: فمن نوى الظهر أو العصر فقد تعرض لإحدى الصلوات اللازمة على أهل الكمال، وكونها ظهرًا أخص من كونها صلاة لازمة عليهم، والتعرض للأخص يغني عن التعرض للأعم. وإن عنى بها شيئًا آخر فليلخصه أولًا، ثم يبحث عن لزومه. قال: وبهذا كان التعرض للصلاة مغنيًا عن التعرض للفريضة ونحوها من الأوصاف. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي في آخر كلامه غلط، فإن الرافعي عبر بقوله: ولهذا كان التعرض للصلاة مغنيًا عن التعرض للعبادة. هذه عبارته، وهو استدلال على أن الأخص يغني عن الأعم، فتوهم المصنف أن المراد استنتاج عدم اشتراط الفريضة، فأتى بها عوضًا عن العبادة، وعبر بقوله: وبهذا أغني، بالباء عوضًا عن اللام، وذهل عن تعبيره هو: بالصلاة، فإن الصلاة لا تغني عن الفريضة قطعًا.
قوله: وبعضهم ينسب إلى الشيخ أبي حامد وجوب التعرض للقضاء، ويسكت عن التعرض للأداء، وقد حكاه البندنيجي هكذا عن نص الشافعي في ((الأم))، ولم يحك غيره. انتهى.
وما نقله عن البندنيجي من أن الشافعي نص عليه ليس كذلك، فقد راجعت كلام البندنيجي من النسخة التي كان المصنف ينقل منها، فلم أر فيه نسبة ذلك إلى الشافعي، بل لم ينقل عن الشافعي في هذه المسألة شيئًا بالكلية. نعم، ذكر ما نسبه المصنف إلى الشيخ أبي حامد من وجوب نية القضاء، وسكت عن الأداء، وكلامه يقتضي عدم وجوب نيته، ونص الشافعي في ((الأم)) يدل على الاكتفاء بتعيين المكتوبة، وقد قنله عنه في ((المطلب)).
قوله: لأن فعل النفل المطلق قبل الصبح وقبل صلاة الفجر لا يجوز على وجه، وبعد صلاة الصبح لا يجوز بلا خلاف. انتهى.
وما ادعاه من عدم الخلاف غريب، فإن الكراهة حيث تثبت في الأوقات المكروهة هل هي للتحريم أو للتنزيه؟ على وجهين مشهورين.