قوله: وقد روي عن كل من ابن مسعود وابن عباس وأبي الدراء أنه قال: ((لأن أقرض مرتين أحب إلى من أن أتصدق مرة)). وروى البزار عن ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:((قرض مرتين يعدل صدقة مرة))، وإنما كان القرض خيرًا من الصدقة، لأنه لا يأخذه إلا محتاج إليه، بخلاف الصدقة. انتهى.
وهذا الحكم الذي استدل عليه، وهو تفصيل القرض على الصدقة- لم يتقدم له ذكر، بل تقدم ما يقتضي عكسه، فإن الحديث والآثار التي ذكرها تدل على أن الصدقة من حيث هي أفضل من القرض، على خلاف ما استنبطه منها.
قوله: وهذا إذا كان المقرض عينا، أما إذا كان دينا مثل أن يقول: أقرضتك عشر دراهم صفتها كذا، وقبل، فإن عين في المجلس صح، وإن عين بعد مفارقة المجلس.
قال في ((المهذب)): إن لم يطل الفصل جاز، وإن طال لم يجز حتى يعيد لفظ القرض. انتهى كلامه.
اعلم أن اشتراط التعيين لا يستلزم اشتراط القبض كما أوضحوه في الكلام على الاستبدال عما في الذمة، وفي كتاب الصلح، وصاحب ((المهذب)) لم يذكر التعيين، وإنما شرط القبض، فقال: وإن قال أقرضتك ألفا، وقبل، وتفرقا، ثم دفع إليه ألفا-: فإن شرط لم يطل الفصل جاز، لأن الظاهر أنه قصد الإيجاب، وإن طال الفصل لم يجز حتى يعيد لفظ ((القرض))، لأنه لا يمكن البناء على العقد مع طول الفصل. هذا لفظه. على أن المسألة فيها نظر، وقد نقلها صاحب ((البحر))، ثم عزاها بعد ذلك إلى ((المهذب)).
قوله: ومما يندرج في كلام الشيخ قرض منفعة دار بعينها، لأنه لا يجوز السلم فيها، وقد صرح بذلك القاضي حسين في كتاب الغصب، ومن جوز نظرًا إلى جواز البيع قد يجوز ذلك. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره بحثا معناه: أن من جوز السلم نظرًا إلى جواز البيع- يعني الإجارة- قد يجوز قرضها، وحاصل ما ذكره الجزم بالمنع، وليس فيه إلا ما ذكره