قوله: ووراء ذلك وجوه: أحدها: أن اللبن إذا كان باقيًا يرده.
ثم قال: الثالث: أنه لا يتعين التمر وإن كان غالب قوت البلد، وهو قول ابن أبي هريرة على ما حكاه الماوردي، بل يجوز إخراج ما يجزئ في زكاة الفطر، وهذا صححه الرافعي، انتهى كلامه.
وما نقله من تصحيح الرافعي هنا غلط، فإن الذي صححه الرافعي في كتبه كلها إنما هو تعيين التمر، وأما المجزئ في الفطرة فصححه، تفريعًا على أن التمر لا يتعين.
قوله: الخامس: أن الصاع لا يتعين، ولكن الواجب يتقدر بقدر اللبن، لما سبق من رواية ابن عمر، وعلى هذا فقد يزاد الواجب على الصاع وقد ينقص. ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة، وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف، ومنهم من أطلقه إطلاقًا.
ثم على قول اعتبار القيمة، قال الإمام: تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلًا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن الإمام غلط، ووقع للرافعي فقلده فيه المصنف، فإنه تفريع لا يلتئم بعضه ببعض، لأنه مفرع على أن الواجب يتقدر بقدر اللبن كما سبق في أول هذه المسألة، وأول هذا التفريع يقتضي اعتبار التمر والحيوان، والذي ذكره الإمام صحيح، فإنه قال: إنا إن لم نر إيجاب الصاع نعتبر قيمة التمر والحيوان، فإذا فعلنا جرى الأمر في المبذول على الحد المطلوب. هذا كلامه، ولا شك أنه موهم، وقد أوضحه الغزالي في الوسيط فقال: إنا نقوم شاة وسطًا وصاعًا وسطًا في أكثر الأحوال، فإذا قيل: هو عشر الشاة مثلًا، أوجبنا من التمر ما هو قيمة عشر الشاة. هذا كلامه، وليس فيه اعتبار اللبن لا في الأول ولا في الأخير، وقد اختصره الشيخ عز الدين على هذا المعنى أيضًا، وبالجملة: فاختصاره على ما قاله الرافعي ثم المصنف، غلطٌ محض.