قوله: وأما حده شرعًا فهو اللبث والإقامة في المسجد بقصد القربة، من مسلم عاقل، طاهر من الجنابة والحيض والنفاس، صاح كاف نفسه عن قضاء شهوة الفرج، مع الذكر. انتهى كلامه.
وهذا الحد يرد على أمور:
أحدها: أن ذكر اللبث لا فائدة له بالكلية.
ثانيها: أنه إذا نذر اعتكاف مدة، ثم خرج لقضاء الحاجة ونحوها مما ذكروه- فإنه في حالة خروجه معتكف على الصحيح مع أنه ليس في مسجد.
ثالثها: أن من أقام في المسجد لا لغرض الاعتكاف ولكن لغيره من القرب كقراءة وصلاة، واجتمعت فيه هذه الشرائط المذكورة- فإنه ليس بمعتكف، مع أن الحد صادق عليه.
قوله: وخرج بقولنا: مع الذكر، قضاء شهوة الفرج ناسيًا، فإنه لا يفسد الاعتكاف على الصحيح كما لا يفسد الصوم، وقد قال الرافعي: إن الجهل بتحريم ذلك كالنسيان للاعتكاف في الإفساد. فعلى هذا: ينبغي أن يضاف قيد ((العلم)) بالتحريم إلى الحد، لكني لم أذكره لشيء سأبديه: وهو أنا قد ذكرنا أن النية لابد منها، وشرط المنوي أن يكون معلومًا للناوي، وحينئذ فلا تصح نية الشيء ما لم يعلم ما هو ذلك الشيء، فلا يتصور الجهل بتحريم الجماع في الاعتكاف مع صحته إذن، ولأجل ذلك صور العلماء الأكل والجماع في الصوم جاهلًا: بأن يكون قد أكل ناسيًا، فاعتقد أنه أفطر به، فأكل أو جامع عامدًا بناء على أنه أفطر، وأن ذلك بعد ذلك ليس بحرام، لكنه قد يفرض مثل هذا هنا أيضًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من تصوير الجهل في الصوم بالتصوير المذكور، وهو أن يأكل ناسيًا، فيعتقد الفطر، فيأكل- غير مستقيم، لأن الحكم فيهما مختلف، وقد صرح باختلافه الرافعي والنووي في كتبهما، فصححوا في الجاهل أنه لا يفطر،