ثم قال- نقلًا عن ابن ماكولا-: إنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه القبيلة سواه. وأيضًا: فحديث أبي خيرة إنما هو من قوله لا من فعله، هكذا رواه الطبراني وغيره في حديث قال فيه: ثم أمر لنا بأراك، فقال:((استاكوا بهذا)). وفي رواية له: فزودنا الأراك نستاك به، والله أعلم.
قوله: وكذا استياكه بكل عين تزيل القلح- أي: فإنه يجزي بلا خلاف- ولا يرد على ذلك ما إذا تمضمض بماء الغاسول ونحوه، فإنه لا يحصل سنة السواك وإن أزال القلح، لأنه لا يسمى مستاكًا، على أن الإمام قال: إنه ليس عريًا عن احتمال بعيد. انتهى.
مقتضى ما ذكره أن التمضمض بنفس الغاسول يكفي، وإن كان كلام الإمام إنما هو في الماء، وليس كذلك، فإن الإمام قال في ((النهاية)): لو تمضمض بغاسول قلاع، وتحامل حتى أزال القلح- فما أراه كافياًا، وفيه احتمال. وعبر- أعني الإمام- أيضًا في ((مختصر النهاية)) بقوله: ولو تمضمض بشيء قلاع فالوجه القطع بأنه لا يكفي.
قوله: وقد استدل الجيلي له- أي: لوجوب الختان- بأن بقاء ما يجب قطعه يحبس النجاسة، وذلك يمنع صحة الصلاة، وفيه نظر، لأن القاضي أبا الطيب ذكر أن الخصم استدل على أن ذلك سنة بأنه أمر به حتى لا يجتمع تحتها بول، وهذا القدر من النجاسة لا تجب إزالته عندنا، وإنما هو مستحب، فيجب أن يكون القطع مثله، فأجاب عنه ولم يمنعه الحكم، فدل على أنه عندنا كذلك، انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن حاصل كلامه أنه لم يقف على نقل في المسألة، فإنه توقف فيما قاله الجيلي، واستند في التوقف إلى شيء ضعيف، والذي قاله الجيلي من وجوب الإزالة وبطلان الصلاة عند عدم ذلك قد رأيتهما مجزومًا بهما في ((فتاوى)) القفال وشبهه بباطن الفم.
الأمر الثاني: أن هذا الفهم الذي فهمه المصنف من كلام القاضي مع الحنفية فهم عجيب، فإن الخصم- وهو أبو حنيفة- يقول: إن مقدار ما تلوث به المنفذ لا تجب إزالته من أي موضع كان في البدن. ولهذا قال: لا يجب الاستنجاء بالكلية. وهذا هو الذي ذكره القاضي أبو الطيب بعينه، ألا تراه عبر بقوله:((وهذا القدر))، ففهم المصنف منه غير ما أراده.