وما ذكره هنا من كون الإجزاء هو المشهور، وحكاية مقابله وجهًا عن هذا التصنيف المستغرب القليل الاستعمال- غريب مردود، بل المعروف عدم الإجزاء، ومقابله مستغرب، فقد صرح بكون الحمل عيبًا في الأضحية خلائق لا يحصون، منهم: صاحب ((التتمة)) في كتاب الزكاة في الكلام على الخلاف بيننا وبين داود في إجزاء الحامل هناك، وكذلك شيخ الأصحاب الشيخ أبو حامد في ((تعليقه))، والعمراني في ((البيان))، والنووي في ((شرح المهذب)) نقلًا عن الأصحاب فقال ما نصه: قال القاضي أبو الطيب: قال الأصحاب: إنما قلنا: لا تجزئ الحامل في الأضحية، لأن المقصود من الأضحية اللحم، والحمل يهزلها ويقل بسببه لحمها، فلا تجزئ، والمقصود من الزكاة كثرة القيمة. هذا لفظه من غير اعتراض عليه، ورأيته- أيضًا- في ((الذخيرة)) للبندنيجي في باب صدقة الغنم في آخر المسألة الثانية منه، وفي ((شرح المهذب)) المسمى بـ ((الاستقصاء)) في هذا الباب- أعني باب الأضحية- نقلًا عن الأصحاب أيضًا. وبالجملة: فهؤلاء أئمة المذهب قد جزموا بكونه عيبًا، وهذه كتبهم شاهدة، والسبب في دعوى المصنف ما ادعاه: هو أن المسألة المذكورة في غير مظنتها، ولم يظفر به هنا لأحد إلا لهذا الكتاب الغريب، غير مستحضر لخلافه، فاقتصر على حكايته وجهًا عنه، فاقتضى أن المشهور خلافه. والغريب: أنه في كتاب الزكاة قد جزم بكونه عيبًا نقلًا عن صاحب ((التتمة))، وقد راجعت كلام العجلي فوجدته قد ذكر المسألة في أول الضحايا فقال: قال الصيمري في ((الإيضاح)): والحامل والحائل سواء. ورأيت في تصنيف بعض أصحابنا أنه لا يجوز التضحية ابتداء بالحامل، لأن الحمل ينقص اللحم. هذا لفظه، فراجعت الكتاب الذي نقل عنه العجلي وهو ((الإيضاح)) للصيمري فلم أر المسألة فيه بالكلية.
قوله: قال- يعني الشيخ-: وإن نذر أضحية معينة زال ملكه عنها، ولم يجز له بيعها، فإن قيل: من زال ملكه عن الشيء فلا يملك بيعه، فما فائدة قول الشيخ: ولم يجز له بيعها، بعد قوله: زال ملكه عنها؟ قلنا: له فوائد، منها: أن الخصم- وهو أبو حنيفة- قال: لا يزول الملك، ويجوز البيع، فأراد أن يذكر عن المذهب ما يخالفه. انتهى.
وهذا الجواب عجيب لا يطابق السؤال بالكلية، لأن أبا حنيفة لما قال ببقاء الملك، ناسب أن يقول بجواز البيع، والسؤال ورد على فائدة امتناع البيع بعد التنصيص على زوال الملك، وإنما يحسن الجواب لو كان أبو حنيفة يقول بزوال الملك، وأن البيع