وأتلفه، ثم قبض الباقي واطلع على عيب به، فادعى أن المتلف كان به هذا العيب- فالقول قول المسلم إليه مع يمينه، لأن الأصل عدم العيب، فإن حلف تخلص، وإن نكل حلف المسلم، ورجع عليه بالأرش.
قال المزني: وجب ألا يجز له الرجوع بالأرش، لأنه يؤدي إلى أن يأخذ بعض المسلم فيه وبدلًا عن الباقي. قلنا ليس هذا من الاستبدال في شيء، وإنما هو فسخ العقد في البعض، لأنه كاحتباس جزء، ألا ترى إنما يثبت له حق استرداد ما يقابل العيب من رأس المال، فإن نقص عشر القيمة مثلًا استرد عشر رأس المال، ولو أسلم في كر حنطة، وقبضها وأتلفها، ثم اطلع على عيب قديم بها ينقص عشر قيمتها- رجع على المسلم إليه بعشر رأس المال. هذا لفظ القاضي، فتلخص أنه لم يخالف في البيع، بل في السلم، للمعنى المتقدم، وأما الإمام فإنه قد قال في الموضع المذكور أيضًا: فرع: إذا قبض المسلم المسلم إليه، وتلف في يده، واطلع على عيب- فرده والاستبدال منه غير ممكن بعد التلف، ولكن له الرجوع بالأرش، وهو قسط من رأس المال، وإذا حصل له الرجوع به لم يكن هذا استردادًا، ولكنه في حكم فسخ العقد في ذلك المقدار المسترد. وذهب المزني إلى أن الرجوع بالأرش لا يثبت بعد تلف المقبوض. هذا لفظه، ومراده بالمقبوض: إنما هو الذي يتكلم فيه، وهو المسلم فيه، فتوهم المصنف أنه للعموم، وإنه لمعذور في ذلك، لكن الإمام أخذه من القاضي على عادته، فكان من حقه إيضاحه كما أوضحه.
قوله: واعلم أن الكلام فيما يرجع بأرشه من العيوب فيما إذا خرج عن ملكه ونحو ذلك بمفروض فيما عدا الخصي، فإن كان العيب القديم هو الخصي فلا أرش له أصلًا، إذ لا نقص في القيمة حتى يعتبر من الثمن، صرح به الإمام والرافعي، وفي تعليله نظر، فإنه قال: لا أرش له كما لا رد، وقد صرح هو وغيره بثبوت الرد عند إمكانه بعيب الخصي. انتهى كلامه.
وهذا الكلام الذي فهمه المصنف من كلام الرافعي غلط قبيح وذهول شنيع، فإن المراد أن المشتري في هذه الحالة قد امتنع عليه الأمران- وهما الرد وطلب الأرش- فانتقل المصنف عن صورة المسألة المطابقة للدعوى إلى صورة أخرى غير مطابقة، ثم اعترض عليه.
قوله- في أمثلة العيوب-: واعتياد الإباق كما صرح به الغزالي والإمام في باب السلم، دون المرة الواحدة، خلافًا لأبي علي الزجاجي والقاضي الحسين كما صرح