أما إذا قلنا: إنه يصح، فيحسن أن نجزم بالصحة، وعليه يتفرع ما إذا قال أبرئ فلانًا عن شيء من ديني، أو عما شئت من ديني- فيصح إبراؤه بشرط أن يبقي منه شيئًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من تفريع الصحة في هاتين المسألتين على القديم حتى يكون باطلًا على الجديد، سهو أوقعه فيه إلباس وقع في كلام الرافعي، فإنه قال: وقوله- يعني ((الوجيز)) -: يستدعي علم الموكل، يجوز إعلامه أيضًا، لأنا إذا صححنا الإبراء عن المجهول لا يعتبر علم الموكل أيضًا. ثم ينظر في صيغة الإبراء: إن قال: أبرئ فلانًا عن ديني، أبرأه عن الكل، وإن قال: عن شيء منه، أبرأه عن قليل منه، وغن قال: عما شئت، أبرأه عما شاء، وأبقى شيئًا. هذا كلامه، فقوله: ثم ينظر، استئناف كلام، ولذلك احترز في ((الروضة))، فذكره حكمًا مستقلًا بلفظ لا إلباس فيه، فتوهم ابن الرفعة أنه تفريع على ما قبله، فصرح به، وهو باطل.
أما في قوله: عما شئت، فواضح، فإن التخيير ليس من أقسام الجهالة قطعًا، ولهذا لو قال: بع بما تراه، أو: بع ما شئيت من عبيدي، ونحوه- صح.
وأما إذا قال: عن شيء منه، فلأن المجهول الذي يبطله هو الإبراء عن دينه، ولا يعلمه، لما في تصحيحه من الغرر الظاهر، ولفظ ((الشيء)) محمول على الأقل، فلا غرر فيه، وقد وافق في ((المطلب)) على ما قلناه في ((ما شئت))، وقال في لفظ ((الشيء))، إنه تفريع على الإبراء من المجهول، وأولى بالبطلان.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في المسألتين من كونه يصح إبراؤه بشرط أن يبقى شيئًا- صحيح في المسألة الثانية، وأما في الأولى فلا، بل لا يبرئه إلا عن أقل ما ينطلق عليه الاسم، أن اللفظ لا عموم فيه ولا تخيير، والاسم قد صدق بالأقل، فكيف يبرئه عن زيادة مع الشك في إرادته؟! وقد صرح صاحب ((التتمة)) بذلك، ونقله عنه في ((الروضة))، وقال: إنه واضح. وكلام الرافعي المتقدم كالصريح فيه، ولهذا غاير بني المسألتين.
قوله: ثم ما ذكرناه من عدم اشتراط الفورية في الوكالة مفروض فيما إذا لم يعين زمان العمل الذي وكل فيه.